تجارب مهنية

نهتم بمواضيع متعددة كالهندسة و العقارات و البيئة و مواضيع أخرى عامة , نأمل متابعتكم و مقترحاتكم لكي نستمر في التطور و التحسين على الدوام.

recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أترك تعليقك و رأيك الذي يضيف إلينا و نتعلم منه و نتطور

حكم الرهن في الفقه الإسلامي

 

حكم الرهن في الفقه الإسلامي 

 صفة الرهن الشرعية

 

حكم الرهن في الفقه الإسلامي

لا خلاف بين الفقهاء على أن الرهن مشروع، وأن صفته الشرعية الإباحة ودليل هذا ما يلي:

من الكتاب الكريم:

قال تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة).

وجه الدلالة من الآية:-

إن جزاء الشرط في الآية وهو "فرهان" اقترن بالفاء، وهو دليل على فعل أمر محذوف وجوباً، تقديره: فارهنوا رهانا مقبوضة، وهذا الأمر لا يفيد الوجوب، وإنما هو مصروف عن حقيقته إلى الإباحة بقرينة، قول الله تعال بعد ذلك: (فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته)، ولأن الله تعالى أمر بالرهن بدلاً عن الكتابة عند إمكانها، أو عدم قبول المرتهن التوثق بها، والبدل يأخذ حكم المبدل منه، ولما كانت الكتابة غير واجبة عند جمهور الفقهاء، كان الرهن غير واجب كذلك.

من السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:-

 روى عن عائشة رضي الله عنها: إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل، ورهنه درعه.

روي عن أنس رضي الله عنه قال: "رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعاً له عند يهودي بالمدينة ، وأخذ منه شعيراً لأهله.

وجه الدلالة منهما:

أفاد الحديثان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعامل بالرهن، وأقل ما توصف به أفعاله الجواز، فدل هذا على إباحة الرهن.

الإجماع:

انعقد إجماع السلف والخلف على مشروعية الرهن وإباحته، ومازال الناس يتعاملون به من غير نكير.

 القياس:

إن الرهن وثيقة بالدين كالضمان والكتابة، وهما جائزان، فيكون الرهن جائز كذلك.

الرهن في الحضر:-

لا خلاف بين الفقهاء على جواز الرهن في السفر عند عدم وجود كاتب يكتب وثيقة بالدين لقول الله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة).

وإنما الخلاف بين الفقهاء في حكم الرهن في الحضر، ولهم في هذا مذاهب ثلاثة:

المذهب الأول:

يرى أصحابه جواز الرهن في الحضر مطلقاً، سواء كان مشروطاً في العقد من قبل المرتهن أو كان تطوعاً من الراهن.

إلى هذا ذهب الحنفية والمالكية، والشفعية والحنابلة، والزيدية والإمامية، وقال ابن المنذر: لا نعلم أحداً خالف في ذلك إلا مجاهداً .

المذهب الثاني:

يرى من ذهب إليه عدم جواز الرهن في الحضر مطلقاً.

وهو قول مجاهد والضحاك وداود الظاهري.

المذهب الثالث:

يرى أصحابه جواز الرهن في الحضر إذ كان تطوعاً من الراهن ،وعدم جوازه إذا شرطه المرتهن في العقد.

وهو قول ابن حزم الظاهري.

أدلة المذاهب:-

استدل أصحاب المذهب الأول على جواز الرهن في الحضر مطلقاً بما يلي:-

أولا: السنة النبوية المطهرة: أحاديث منها:-

1. روى عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أشترى من يهودي طعاماً إلى أجل، ورهنه درعه".

2. روى عن أنس رضي الله عنه قال: "رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعاً له عند يهودي بالمدينة، وأخذ منه شعيراً لأهله".

وجه الدلالة منهما:-

أفاد الحديثان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي، بطعام اشتراه لأهله، وكان رسول لله صلى الله عليه وسلم حين رهن درعه من اليهودي مقيماً بالمدينة- كما تدل عليه رواية أنس- والمدينة حضر، فدل هذا على جواز الرهن في الحضر مطلقاً.

اعترض على الاستدلال بالسنة:-

قال ابن حزم: إن حديثي عائشة وأنس رضي الله عنهما، محمولان على أن الرهن كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم تطوعاً، فلا يدلان على جواز الرهن في الحضر إذا كان باشتراط من المرتهن.

أجيب عن هذا الاعتراض:-

إن حمل حديثي أنس وعائشة على أن الرهن كان تطوعاً من النبي صلى الله عليه وسلم، تحكم وترجيح بلا مرجح، لان قول أنس "رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، مطلق يحتمل انه رهن بشرط وبغير شرط، بل حمله على الرهن كان بشرط هو الظاهر، لان الغالب أن من يريد الاستدانة لا يبذل الرهن إلا إذا طلبه الدائن.

ثانياً: المعقول:-

1. إن الرهن وثيقة تجوز في السفر، فجازت في الحضر كالضمان ، الذي يجوز حضراً وسفراً، إذ المقصود من كل منهما توثيق الدين.

2. إن ما شرع لأجله الرهن، وهو الحاجة إلى توثيق الدين يوجد في الحالين، وهو الرهن عند تواء الحق بالجحود، والإنكار عند السهو والنسيان.

استدل أصحاب المذهب الثاني على عدم جواز الرهن في الحضر مطلقاً بما يلي:-

الكتاب الكريم:

قال تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة).

وجه الدلالة من الآية:-

إن إباحة الرهن في الآية قد علق على شرط السفر وعدم جود الكاتب، والتعليق بالشرط يقتضي عدم الحكم عند عدم الشرط، وإلا لما كان للتعليق بالشرط فائدة، فمفهوم الآية يمنع الرهن في الحضر مطلقاً.

اعترض على الاستدلال بالآية:-

1. لا دلالة في الآية على منع الرهن في الحضر، لأن تقييد إباحة الرهن بأن يكون في حال السفر وعند عدم وجود الكاتب، لا مفهوم له، حتى يمتنع الرهن في الحضر، وإنما هو لبيان الحالة التي يغلب فيها الحاجة إلى القرض، ومن ثم يكون المراد من الآية الإرشاد إلى الرهن في جميع الأحوال، وخاصة حال تعذر كتابة وثيقة بالدين.

2. إن تقييد إباحة الرهن بالسفر في الآية الكريمة لا مفهوم له، وإنما جيء به لبيان الحالة التي يتعذر فيها التوثق بالكتابة، فيلحق بها كل حالة يتعذر فيها ذلك، ومنها خوف الدين من خراب ذمة المدين، وإن كان في الحضر مع وجود الكاتب.

استدل أصحاب المذهب الثالث على جواز الرهن في الحضر إن كان تطوعاً من الراهن، وعدم جوازه إن كان باشتراط من المرتهن بما يلي:

أولاً الكتاب الكريم:

1. قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى).

2. قال سبحانه: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).

وجه الدلالة منهما:-

حض الشارع على الإحسان والتعاون على البر والتقوى في الآيتين ، فيدخل في عمومهما كل بر وإحسان، ومنه تطوع الراهن بالرهن، لانه لم ينه عنه الشارع، ويكفي في جواز ما يتطوع به، عدم نهي الشارع عنه، لدخوله تحت العمومات التي تحض على البر والإحسان والتعاون.

3. قال جل شأنه: (يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) إلى قوله: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة).

وجه الدلالة من الآيتين:-

نص في هاتين الآيتين على أن مشروعية الرهن، يعتبر فيها أربعة شروط هي: أن يكون الرهن في عقد مداينة، وهو البيع والسلم والقرض، وأن يكون الدين إلى أجل مسمى، وأن يكون العاقدان على سفر، وأن لا يوجد كاتب، ومن ثم فلا يجوز الرهن باشتراط من المرتهن إلا إذا توافرت الشروط السابقة، المنصوص عليها في الكتاب الكريم، فإذا أختل شرط منها لم يجز الرهن، ولذا فإن طلب المرتهن الرهن في الحضر هو من قبيل اشتراط ما ليس في كتاب الله تعالى، وكل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، لما روى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل وإن كان مائه شرط"، فدلت الآيتان على عدم جواز الرهن في الحضر إذا كان باشتراط من المرتهن.

اعترض على الاستدلال به:-

1. إن تقييد جواز الرهن في الآيتين بهذه الشروط الأربعة، لا ينفي جواز الرهن في الحضر مطلقاً، سواء كان الدين من بيع أو سلم أو قرض أو غيرها، وسواء كان الدين مؤجلاً أو حالاً، وجد كاتب أو لم يوجد فحصر الدين المرهون به بأن يكون ناشئاً عن عقد مداينة، لا يساعد عليه عموم قوله تعالى: (إذا تداينتم). الذي يفيد ثبوت الدين بأي طريق، سواء كان بعقد من العقود الثلاثة أو بغيرها: كالنكاح والخلع.

2. إن النص على شرعية الرهن بالدين المؤجل، لا تدل على نفي مشروعية غيره، وإن كانت الحاجة إلى الرهن في الدين المؤجل أقوى، لقلق الدائن علي دينه قبل حلوله أجله، وخشيته من ضياعه عليه، فمست الحاجة إلى الوثيقة.

3. إن النص على السفر في الآية، لا مفهوم له، وقد جاء التقييد به لبيان الحالة التي يغلب فيها الحاجة إلى القرض المضمون بالرهن.

4. إن النص على عدم وجود الكاتب، لا مفهوم له كذلك، بل يخرج مخرج الغالب، إذ الغالب في السفر عدم وجود الكاتب، فالتقييد به لا ينبغي مشروعية الرهن مع وجود الكاتب

5. عن سياق الآية دال على أن الرهن شرع للتوثق، فكل ما يدعو إلى التوثق يقاس على ما في الآية، فقد يكون الإنسان في الحضر ولا ينفعه لإثبات حقه شيء سوى الرهن، فلا يصدق على اشتراط الرهن من المرتهن أنه شرط ليس في كتاب الله، بل هو منصوص عليه فيه، بدلالة نصه على حجية القياس بقول الله تعالى: (فاعتبروا يا أولي الأبصار).

6. إن ما ورد في الآيتين لا يراد به الشرط حقيقة، حتى لا يجوز الرهن إلا به، بل إن ما ورد في الآيتين، تعبير عما اعتاده الناس في معاملاتهم، إذ الغالب أنهم يميلون إلى الرهن عند تعذر إمكان التوثق بالكتاب والشهود، والغالب أن ذلك يكون في السفر، والمعاملة الظاهرة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بالرهن في الحضر والسفر، دليل جوازه بكل حال.

ثانياً: السنة النبوية المطهرة:

حديثا عائشة وأنس السابقان، حيث ورد فيهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي بطعام اشتراه" ، وظاهر هذا مشعر بأن الرهن كان تطوعاً منه صلى الله عليه وسلم، ولو كان مشترطاً من المرتهن لورد ذلك في الحديث.

اعترض على الاستدلال به:-

انه ورد في بعض الأحاديث ما يفيد أن الرهن كان باشتراط من المرتهن، ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى عن أبي رافع قال: "نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف، فقال: يا أبا رافع أذهب إلى فلان اليهودي، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعني إلى رجب، فأتيته فقال: والله ما أبيعه إلا برهن، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فاقل : أذهب بدرعي الحديد إليه، فرهنه بطعام إلى أجل مسمى.

أجيب عن هذا الاعتراض:

إن الاحتجاج بهذا الحديث لا يصح، لأنه تفرد به موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، فقد ضعفه القطان وابن معين والبخاري وابن المديني، وقال أحمد: لا تحل الرواية عنه.

رد على هذا الجواب:

إن حديث أبي رافع روى عن طريق آخر عن الشافعي لا مطعن فيه، فهو صالح للاستدلال به.

ونخلص من ذلك إن الذي تركن النفس إليه من هذه المذاهب- بعد استعراض أدلتها، وما اعترض به على بعضها، وما أجيب به بعض هذه الاعتراضات، وما رد به بعض هذه الأجوبة- هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول،من جواز الرهن في الحضر مطلقاً، لقوة ما استدلوا به، وسلامته من المعارض، ولأنه يتفق وسماحة الإسلام ويسره، وكفالة مصالح الأفراد والجماعات.

وأما ما استدل به أصحاب المذهبين الثاني والثالث، فهو استدلال بمفهوم المخالفة، ومن شروط العمل به عند من يرون حجيته في الأحكام، أن لا يكون هناك ما هو أقوى منه من منطوق أو مفهوم موافقة يعارضه، وأن لا يكون القيد الذي قيد به حكم المنطوق قد خرج مخرج الغالب، وكلا الشرطين غير متحقق في هذا المفهوم، فقد وجد في المسألة منطوق يخالفه، وهو ما ثبت أن رسول  الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي بالمدينة، بطعام اشتراه لأهله، والمدينة حضر، كما أن القيود الواردة في آيتي البقرة، ليست قيوداً لمشروعية الرهن، وإنما جاءت تعبيراً عن الحال الغالبة في الرهن، الذي يكثر في السفر ، للحاجة إلى الاقتراض فيه، وفاء بحاجات المسافر البعيد عن أمواله وذويه، وانعدام الكاتب غالبا في حال السفر، ومن ثم فلا مجال لإعمال مفهوم المخالفة في هذه المسألة، لعدم توافر شروط الاحتجاج به.

ثالثاً: رهن المعتوه:

إن رهن المعتوه وسائر تصرفاته تكون تبعاً لحاله، فإن كان مغلوباً فهو مجنون، يكون رهنه وسائر تصرفاته كتصرفات المجنون جنوناً مطبقاً، إذا أذهب العته عقله وتمييزه، وإن كان كالصبي كان رهنه كرهنه، وإن كان دونه كان كالصبي غير المميز، عديم أهلية الأداء، فلا ينعقد رهنه ولا يعتد بعبارته أصلاً.

رابعاً: رهن النائم والمغمى عليه:

عقود وتصرفات النائم والمغمى عليه لاغية، ولا أثر لها، لعدم توافر القصد والاختيار لديهما، فلا ينشأ بعبارتيهما رهن أو غيره.

خامساً: رهن الصبي غير المميز:

الصبي غير المميز ليست له أهليه أداء مطلقاً، ومن ثم فإن عبارته لا تصلح لأن تكون سبباً في إنشاء التصرفات، إذا لا تكون العبارة صالحة لذلك إلا إذا فهم صاحبها معناها وما يراد منها ، وعرف ما يترتب عليها من الآثار في الجملة، والصبي غير المميز لا يتحقق فيه ذلك، فتكون عبارته مهدرة ولا تصلح لإنشاء عقد أو تصرف.

إذا تبين هذا فإن شروط العاقدين في الرهن- وفقاً للراجح من آراء الفقهاء- التمييز، والعقل، والرشد، والاختيار، وعدم الحجر لسبب يقتضية: كصغر أو سفه أو فلس أو جنون أو عته.


 المرهون به في الفقه الإسلامي والقانون:

يقصد بالمرهون به: الحق الذي جعل الرهن وثيقة به، وقد اعتبر الفقهاء فيه ثلاثة شروط هي ما يلي:

1. أن يكون حقاً واجب التسليم إلى صاحبه، لأنه إذا لم يجب تسليمه فلا محل لأن يعطي به رهن لتوثيقه، إذ لا إلزام على المطالب بالحق، حتى يستوجب صاحب الحق عليه التوثيق.

2. أن يكون مما يمكن استيفاؤه من المرهون، فإذا لم يمكن استيفاؤه فلا يصح الرهن به، ومن ثم فلا يصح الرهن بالقصاص أو الشفعة أو الكفالة بالنفس، إذ لا يمكن استيفاء القصاص وحق الشفعة والمكفول به من الرهن.

3. أن يكون المرهون به معلوماً للعاقدين جنساً وقدراً وصفة، فإن كان مجهولاً لهما، كالرهن بأحد الدينين، أو بمجهول القدر أو الجنس أو الصفة، أو الحلول أو  التأجيل فلا يصح الرهن بهوأبين في هذا الصدد حكم الرهن إذا كان المرهون به ديناً لازماً أو غير لازم، أو كان عيناً مضمونة أو غير مضمونة، أو منفعة في ذمة الأجير أو على عمله أو عمل دابته، أو مجهولاً للعاقدين، وحكم الزيادة في المرهون به.

المرهون به دين:

إذا كان المرهون به ديناً ، فإما أن يكون ثابتاً قبل الرهن، أو معه، أو بعده، وأبين حكم الرهن بكل واحد منها.

الرهن بالدين الثابت قبل الرهن: 

اختلف الفقهاء في حكم الرهن بالدين الثابت في الذمة (اللازم) قبل الرهن على مذهبين:

المذهب الأول:

يرى أصحابه جواز الرهن بكل دين ثابت في الذمة يصح استيفاؤه من الرهن: كأثمان البياعات، والأجرة، والمهر، وعوض الخلع، والقرض، وأرش الجنايات، وقيم المتلفات. وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإمامية.

المذهب الثاني:

يرى من ذهب إليه أنه لا يجوز الرهن بالدين الثابت في الذمة، إلا أن يكون دين بيع أو سلم أو قرض.

وهو مذهب الظاهرية.

أدلة المذهبين:

استدل أصحاب المذهب الأول على جواز الرهن بالدين اللازم قبل الرهن بما يلي:

أولاً: الكتاب الكريم:

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)، إلى قوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة).

وجه الدلالة من الآيتين:

جعل الحق سبحانه الرهن بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلها، ومحل الكتابة بعد ثبوت الحق، فيكون الرهن بعد ثبوته كذلك، وقوله تعالى: (فاكتبوه)، جعل جزاء للمداينة مذكوراً بعدها بفاء التعقيب، وعموم هذه الآية يتناول جميع المداينات أيا كان سببها ، باتفاق الفقهاء.


ثانياً: السنة النبوية المطهرة:

روى عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل، ورهنه درعه".

وجه الدلالة منه:

أفاد الحديث جواز الرهن في كل مال متقوم ثابت في الذمة لازم فيها.

ثالثاً: الإجماع:

حكى كثير من الفقهاء الإجماع على جواز الرهن بكل دين ثابت في الذمة ومن هؤلاء: ابن قدامة والمرتضى والطوسي.

رابعاً: القياس:

1. إن الرهن بالدين الثابت في الذمة ثبت في دين السلم وبدل القرض بالنصوص، وثبت فيما سواهما بالقياس عليهما.

2. إن الدين الثابت في الذمة تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به، فجاز ذلك كالضمان.

استدل أصحاب المذهب الثاني على عدم جواز الرهن بالدين اللازم إلا في دين البيع والسلم والقرض بما يلي:

الكتاب الكريم:

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه).

وجه الدلالة من الآية:

إن الآية الكريمة واردة في الدين المتحصل من البيع، وهو السلم، فهي نص في وجوب الرهن في دين السلم، فكأنهم جعلوه شرطاً معتبراً لصحة الرهن، وقد وردت نصوص في جواز الرهن في البيع والقرض، فجاز فيهما الرهن، ولا يجوز فيما سوى الثلاثة، لأنه ثبت في هذه الثلاثة بالنص، فلا يقاس عليها غيرها، لبطلان القياس، قال ابن حزم: يجوز اشتراط الرهن حيث اجازه الله تعالى، والدين إلى أجل مسمى لا يعدو أن يكون مبيعاً او سلما أو قرضاً، فهذه الوجوه يجوز فيها اشتراط التأجيل، لورود النصوص بوجوبه في السلم، وجوازه في القرض والبيع، ولا يجوز فيما عدا ذلك أصلاً، لأنه لم يات في شيء من المعاملات سوى ما ذكرنا نص بجواز اشتراط التأجيل، فهو شرط ليس في كتاب الله عز وجل ، فهو باطل.

بعد استعراض الباحث لأدلة المذهبين، فإنه يترجح في نظري ما ذهب إليه الجمهور من جواز الرهن بالدين اللازم أياً كان سببه، لما استدلوا به على مذهبهم، ولأن الدين في آية المداينة عام، فحصره في دين السلم تخصيص بغير مخصص، وهذا تحم في شرع الله تعالى، ولأن النصوص المبيحة للرهن في القرض والبيع، ليس فيها قصر مشروعية الرهن على الدين المتحصل منهما، والذي منع الظاهرية من القول بمذهب الجمهور، إنكارهم القياس، ومثل هذا لا يحتج به على الجمهور، لعدم تسليمهم بعدم حجية القياس.

الرهن بالدين الثابت مع الرهن:

الرهن في هذه الحالة إما أن يكون مشروطاً مع الدين، او ممزوجاً مع سبب الدين من غير اشتراط، وأبين حكم الرهن في الحالتين:

الحالة الأولى:

إذا شرط الرهن مع سبب الدين: كأن يشترط بائع السيارة على المشتري أن تكون رهناً في يده بعد إتمام بيعها، أو أن يشترط البائع أن ترد إلى يده مرة أخرى بعد تسلم المشتري لها، لتكون رهناً بالثمن، ويقبل المشتري البيع والرهن.

وقد اختلف الفقهاء في حكم الرهن في هذه الحالة على مذهبين:

المذهب الأول:

يرى أصحابه صحة الرهن في هذه الحالة.

إلى هذا ذهب الحنفية والمالكية، وهو قول للشافعي، وإليه ذهب الحنابلة، وبعض الزيدية والإمامية.

المذهب الثاني: يرى من ذهب إليه فساد الرهن في الحالة السابقة.

وهو أظهر قولي الشافعي، وقول المرتضى من الزيدية، وبعض الإمامية.

أدلة المذهبين:

استدل أصحاب المذهب الأول على صحة الرهن في هذه الحالة بما يل:

المعقول:

إن الحاجة داعية إلى ثبوت الحق، فإن البائع لو لم يعقد الرهن مع ثبوت الحق ويشترطه فيه، لم يتمكن من إلزام المشتري عقده، وكانت الخيرة إلى المشتري ، بين بذل الوثيقة بحق البائع أو عدم بذلها، وإن كان الغالب عدم بذله لها، فتفوت الوثيقة بالحق.

استدل أصحاب المذهب الثاني على عدم صحة الرهن في هذه الحالة بما يلي:

المعقول:

1. إن اشتراط البائع على المشتري أن يكون المبيع رهناً لا يصح، لانه شرط عليه أن يرهن ما لا يملك، إذ المبيع لا يملكه المشتري، قبل تمام العقد، وإذا بطل الرهن بطل العقد، لأن البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير ثمن المبيع، والرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع وذلك متناقض.

اعترض على هذا الوجه بما يلي:

* إن كون الراهن قد رهن ما لا يملك ممنوع، لأن الرهن إنما يتم بعد كمال عقد البيع المتقدم، القاضي بالملك، فكان حينئذ مملوكاً، ثم إن الملك شرط في الرهن، لا شرط في اشتراط الارتهان.

* إن اشتراط الشروط الفاسدة في الرهن، لا أثر لها فيه ولا في عقد البيع الذي كان الرهن شرطاً فيه، لعدم قيام الدليل على فسادهما بفساد الشروط المقترنة بهما.

* إن القول بان البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير المبيع غير مسلم، بل المسلم أنه لا يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع، وهذا لا يناقض إيفاء الثمن من ثمن المبيع.

2. إن الرهن يقتضي أن يكون المرهون أمانة في يد البائع والبيع يقتضي أن يكون المبيع مضموناً عليه، وذلك متناقض.

اعترض على هذا الوجه:

لا يسلم وجود هذا التناقض، لأن البائع لما جعل المبيع رهناً، خرج عن كونه مضموناً عليه، فلا تناقض في ذلك.

3. عن البائع لو اشترط عند البيع على  المشتري أن يعطيه رهناً بالثمن، وقبل المشتري البيع والرهن، فإن العقد لا يتم بذلك، بل لابد وأن يقول بعد: ارتهنت أو بعت، لان الذي وجد من البائع إيجاب الرهن لاستيجابه، كما لو قال: أفعل كذا لتبيعني، لا يكون مستوجباً للبيع.

اعترض على هذا الوجه:

إن الأولى أن يقال: إن الصورة المشبه بها لا تناظر هذه، لم يصرح في تلك الصورة بالالتماس، وإنما أخبر عن السبب الداعي له إلى ذلك الفعل، وهو الرغبة في البيع، وهاهنا باع وشرط عليه الرهن، وهو مشتمل على الالتماس أو أبلغ منه، فإن شرط الرهن في البيع يغني عن استئناف رهن بعد البيع، ويكون الشرط بمنزلة الإيجاب والقبول.

بعد النظر فيما استدل به للمذهبين ، وما ورد على بعضهما من اعتراض، فإني أرى أن ما ذهب إليه الجمهور، من صحة الرهن المشروط مع سبب الدين هو الراجح، لما وجهوا به مذهبهم، ولأنه يحقق مصلحة المرتهن في حفظ ماله، والاستيثاق لدينه، ولا يضر بالطرف الآخر، بخلاف ما يترتب على المذهب الآخر من ضياع الوثيقة لهذا الدين، فضلاً عن ورود اعتراضات على وجوه معقولهم لم تدفع، فنالت من حجيتها على مذهبهم.

* الحالة الثانية:

إذا كان الرهن ممزوجاً مع سبب الدين من غير اشتراط، كأن يجمع البائع في صيغة عقد البيع، بين المبيع وارتهانه أو ارتهان غيره بالثمن، فيقبل لمشتري البيع والرهن.

وقد اختلف الفقهاء في حكم الرهن في هذه الحالة على مذهبين:

المذهب الأول:

يرى أصحابه صحة الرهن في هذه الحالة.

وهو الأصح من مذهب الشافعية، وهو مذهب جمهور الإمامية، وحكاه البعض عن جمهور الفقهاء.

* المذهب الثاني:

يرى من ذهب إليه عدم صحة الرهن في هذه الحالة.

وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي.

أدلة المذهبين:

أستدل أصحاب المذهب الأول على صحة الرهن في هذه الحالة بما يلي:

* القياس:

إن شرط الرهن في سبب الدين جائز لحاجة الوثيقة، فكذا مزجه بسبب الدين، بل هو أولى، لان الوثيقة هناأكد، فإن الشرط قد لا يفئ به، ووجه الحاجة إلى الوثيقة في هذه الحالة، أن الرهن المشروط في العقد يلزم به الرهن بدون ثبوت الحق في الذمة، لان مقتضاه إثبات استحقاق الرهن على الدين بعد ثبوت سببه، وأما الرهن الممزوج بالعقد فيشترط فيه ثبوت الحق في الذمة، لأنه إنشاء توثق، وهو لا يكون إلا بحق ثابت، لعدم معقولية الوثيقة بحق غير ثابت.

أستدل أصحاب المذهب الثاني على عدم صحة الرهن في هذه الحالة بما يلي:

* القياس:

إن أحد شقي الرهن مقدم على ثبوت الدين المرهون به، فأشبه الدين الموعود به وهو ممنوع.

* اعترض عليه بما يلي:

1. إن الرهن المشروط في بيع، تقدم أحد شقيه على ثبوت الدين كذلك، وقد أجازه أصحاب هذا المذهب، ولا يصح قياسه على الدين الموعود به للحاجة الماسة هنا إلى الرهن، بخلافه فيه، على انه قد تقدم هنا أحد شقي السبب المقتضى لثبوت الدين، فلم يتم الإلحاق.

2. انه لو سلم أن أحد شقي العقد قد تقدم على ثبوت الدين، فإن ذلك مغتفر لحاجة التوثق للدين.

والذي يظهر للباحث رجحانه من المذهبين- بعد استعراض ما استدل به لهما، وما اعترض به على بعض الأدلة- هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول من صحة الرهن في هذه الحالة، لما استدلوا به، ولما يترتب عليه من تحقيق مقصود الشارع من حفظ المال، وحاجة الدائن في هذه الحالة إلى الوثيقة بدينه أولى من حاجة الدائن إلى الوثيقة بدينه في الحالة السابقة، يضاف إلى هذا أن ما وجه أصحاب المذهب الثاني مذهبهم به قد أورد عليه بما لم يدفع، فقال من حجيته على مذهبهم.

الرهن بالدين قبل ثبوته

اختلف الفقهاء في حكم الرهن بالدين الموعود به على مذاهب ثلاثة:

*المذهب الأول:

يرى أصحابه عدم صحة الرهن بالدين الموعود به.

وهو قول لمالك، والأصح من مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد، والصحيح من مذهب الحنابلة، وإليه ذهب الظاهرية والإمامية.

* المذهب الثاني:

يرى من ذهب إليه صحة الرهن بالدين الموعود به.

إلى هذا ذهب الحنفية، وجمهور المالكية،وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي، ورواية أخرى عن أحمد أختارها بعض أصحابه، وإليه ذهب الزيدية

* المذهب الثالث:

يرى أصحابه ان الدين الموعود به إذا تعين جاز الرهن به ، وإلا فلا وهو وجه ثالث لبعض الشافعية.

* أدلة هذه المذاهب:

أستدل أصحاب المذهب الأول على عدم صحة الرهن بالدين الموعود به بما يلي:

* القياس:

إن الرهن وثيقة بحق، فلا يلزم الرهن قبل ثبوته، والرهن تابع للحق، فلا يسبقه كالشهادة.

أستدل أصحاب المذهب الثاني على صحة الرهن بالدين الموعود به بما يلي:

* القياس:

1. إن الرهن وثيقة بحق، فجاز عقدها قبل وجوب الحق كالضمان.

* اعترض على هذا الوجه بما يلي:

* إن قياس الرهن بدين موعود به على الضمان قياس مع الفارق، إذ الضمان جاز للحاجة إليه، والاحتياج إلى المال، بخلاف ما نحن فيه، وذلك لأن العقود إذا اشترط تأخير مقتضاها، لم يتحقق الإنشاء الصريح للفعل المطلوب ثبوته حالاً، لا سيما إذا اعتبر فيه لفظ الماضي.

* إن الضمان التزام مال تبرعاً بالقول، فجاز من غير حق ثابت كالنذر، بخلاف الرهن فلا يصح.

2. إن الدين الموعود جعل كالموجود، ولما كان الرهن بالدين الموجود صحيحاً فكذلك الرهن بالدين الموعود.

أستدل أصحاب المذهب الثالث على صحة الرهن بالدين الموعود إذا تعين بما يلي:

* المعقول:

إن الدين بعد تعيينه يكون في حكم الثابت في الذمة، كثمن المبيع ، فيجوز الرهن فيه، وعند عدم التعيين يكون مجهولاً، والمجهول لا يقبل التعلق بالذمة، فلا يجوز.

بعد استعراض أدلة المذاهب الثلاثة، وما اعترض به على بعضها، فإنه يترجح في نظري مذهب القائلين بعدم صحة الرهن بالدين الموعود به، لما وجهوا به مذهبهم، ولأن من شروط الرهن أن يكون الدين المرهون به واجب التسليم إلى صاحبه، لأنه إذا لم يكن واجب التسليم، فلا محل لان يعطي به رهن لتوثيقه، لأنه لا إلزام على المطالب بالحق حتى يستوجب صاحب الحق عليه وثيقة، وقياس الدين الموعود به وإن تعين على الدين الموجود الثابت، في جواز توثيقه بالرهن قياس مع الفارق، لأن الدين الموجود ثابت فعلاً، وأما الدين الموعود به فهو محتمل الحصول وعدمه، لأن الوعد غير ملزم للواعد، ولا يقضي به عليه عند جمهور الفقهاء، ولما يترتب على أخذ الرهن في الدين الموعود به، من حبس المرهون عند المرتهن في غير حق، ومنع صاحبه من الانتفاع به، أو التصرف فيه خلال مدة رهنه، وفي هذا إضرار شديد به، وذلك ممنوع في شرع الله تعالى.

الرهن بدين يؤول إلى اللزوم

بينت في هذا المقصد الأول: حكم الرهن بالدين اللازم، وأبين في هذا المقصد حكم الرهن بدين غير لازم ولكنه يؤول إلى اللزوم، كأن كان الدين ناشئاً عن عقد جائز، إلا أنه يؤول إلى اللزوم ، كجعل الجعاله.

ومذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية) جواز الرهن به بعد تمام العمل، لأن الجعل قد لزم وصار حقاً ثابتاً في ذمة الجاعل، يمكن استيفاؤه منه فصح الرهن به، ولأنه وإن لم يكن لازماً قبل العمل، إلا أنه يؤول إلى اللزوم بالعمل، وقد فرغ المجعول له منه.

واختلف الفقهاء في حكم الرهن بالجعل بعد الشروع في العمل وقبل تمامه على مذهبين:

* المذهب الأول:

يرى أصحابه عدم صحة الرهن بالجعل في هذه الحالة.

وهو قول لمالك، وأظهر قولي الشافعي وهو مشهور المذهب، وما عليه مذهب الزيدية وقول بعض الإمامية.

* المذهب الثاني:

يرى من ذهب إليه صحة الرهن بالجعل في هذه الحالة. وإليه ذهب جمهور المالكية، وهو قول للشافعي، مذهب الحنابلة، وقال به بعض الزيدية والإمامية.

* أدلة المذهبين:

أستدل أصحاب المذهب الأول على عدم صحة الرهن بالجهل في هذه الحالة بما يلي:

* المعقول:

1. إن للطرفين في الجعالة حق الفسخ، فيسقط به الجعل، وإن لزم الجاعل بفسخه وحدة أجرة مثل عمل العامل.

2. إن العامل في الجعالة لا يستحق شيئاً من الجعل إلا بتمام العمل،ولا يعلم قبل تمامه أيفضي إلى اللزوم أم لا.

3. إن سبب وجوب الجعل لم يتم بمجرد الشروع في العمل، فكأن الجعل غير ثابت، ولا يجوز أخذ الرهن على ما لا يستحق، بخلاف الثمن في مدة الخيار فإن سبب وجوبه قائم.

استدل أصحاب المذهب الثاني على صحة الرهن بالجعل في هذه الحالة بما يلي:

* القياس:

إن الجعل في الجعالة يؤول إلى اللزوم، فيجوز الرهن به، كالثمن في مدة الخيار.

* اعترض على هذا القياس:

إن قياس الجعل بعد الشروع في العمل على الثمن في مدة الخيار، قياس مع الفارق، لأن الأصل في البيع اللزوم، إذ القصد فيه الدوام، بخلاف الجعالة فالأصل فيها أنها عقد جائز، فيجوز لكل من الطرفين فسخها قبل تمام العمل، فيسقط بهذا الفسخ الجعل، وإن لزم الجاعل أجرة المثل لما عمله العامل، إذا كان الفسخ من قبل الجاعل وحده .

والذي تركن النفس إليه من هذين المذهبين- بعد الوقوف على ما أستدل به لهما، وما اعترض به على بعض الأدلة- هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول، من عدم صحة الرهن بالجعل في الجعالة إذا كان هذا بعد الشروع في العمل وقبل تمامه، لما وجهوا به مذهبهم، ولأن الجعل في مقابلة إتمام عمل معين، فقبل إتمامه لا يستحقه العامل في الجعالة، وليس من حقه المطالبة به، وبالأولى لا يكون له أخذ وثيقة به من الجاعل، لعدم وجوب شيء عليه حتى يؤدي هذه الوثيقة ، ولأن الجعالة قبل تمام العمل عقد جائز، قابل للفسخ في أي وقت، وباستعمال أي من الطرفين الحق في الفسخ لا يكون ثمة جعل، فإذا أدى عنه رهناً في هذه الحالة كان رهناً في غير دين، وهو لا يجوز ، وما أستدل به أصحاب المذهب الثاني قد أورد عليه بما لم يدفع فنال من حجيته على مذهبهم.

الرهن بدين غير لازم ولا يؤول إلى اللزوم:

إذا كان الدين غير لازم أصلاً، ولا يؤول إلى اللزوم، كالدية على العاقلة قبل الحول، فإن الفقهاء اختلفوا في حكم الرهن به على مذهبين:

المذهب الأول:

يرى أصحابه عدم صحة الرهن بهذا الدين.

وهو مذهب المالكية إذا كان الرهن من أجنبي لا من المرتهن، وإلى هذا المذهب ذهب الشافعية، وما عليه مذهب الحنابلة وقول بعض الإمامية.

المذهب الثاني:

يرى من ذهب إليه صحة الرهن بهذا الدين.

وإليه ذهب الحنفية، وهو مذهب المالكية إذا كان الرهن من المرتهن لا من أجنبي، وهذا المذهب هو قول بعض الحنابلة، وإليه ذهب الزيدية، وبعض الإمامية.

أدلة المذهبين:

أستدل أصحاب المذهب الأول على عدم صحة الرهن بالدين غير اللازم والذي لا يؤول إلى اللزوم بما يلي:

المعقول:

إن الدين لا يصلح توثيقه بالرهن، لعدم إمكان استيفائه، فإن سببه غير مستقر، لعروض ما يبطله، فيزول الدين بزواله.

اعترض على هذا الوجه:

إن جواز فسخ هذا الدين لا يضر الرهن به، كالرهن بالثمن في مدة الخيار، فإنه يصح باتفاق مع جواز عقد البيع المشتمل على الخيار.

استدل أصحاب المذهب الثاني على صحة الرهن بهذا الدين بما يلي:

القياس:

إن الدين غير اللازم والذي لا يؤول إلى اللزوم، هو حق مالي، فيجوز أخذ الرهن فيه، كثمن المبيع.

اعترض على هذا القياس:

إن قياس هذا الدين على ثمن المبيع قياس غير صحيح، لأن ثمن المبيع يمكن الاستيفاء منه، بخلاف هذا الدين.

بعد النظر فيما استدل به للمذهبين، وما أعترض به على ذلك، فإنه يترجح في نظري ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول، من عدم صحة الرهن بهذا الدين، لما وجهوا به مذهبهم، ولا ينال من معقولهم ما اعترض به عليه، لعدم صحة قياس هذا الدين على الثمن في مدة الخيار، لان ثمن المبيع يمكن الاستيفاء منه، بخلاف هذا الدين فلا يمكن الاستيفاء منه.



عن الكاتب

Alghaly Yousif مهندس مدني محترف عمل في مختلف مجالات الهندسة المدنية من بناء مجمعات سكنية وطرق وغيرها إلي تشييد السدود و الخزانات

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

تجارب مهنية