تجارب مهنية

نهتم بمواضيع متعددة كالهندسة و العقارات و البيئة و مواضيع أخرى عامة , نأمل متابعتكم و مقترحاتكم لكي نستمر في التطور و التحسين على الدوام.

recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أترك تعليقك و رأيك الذي يضيف إلينا و نتعلم منه و نتطور

القرن في الثقافة السودانية الدلالات والمعاني

 

القرن في الثقافة السودانية الدلالات والمعاني

                                   

القرن في الثقافة السودانية الدلالات والمعاني

                 
                         

يتركز الاهتمام هنا على الدلالات والمعاني للقرن كما هو معبر عنه في الثقافة الشعبية السودانية. ذلك لما للقرن من أهمية في حياة أهله تتمثل في قيمته الاستعمالية والرمزية الموجودة في مختلف مناطقه ولدي الناس عامة. الأمر الذي يجعل منه أحد المكونات الثقافية المشتركة التي تتشكل منها الثقافة السودانية. كما تتجلي في مظاهرها المتعددة وممارستها المتنوعة. كما إن القرن يمثل أحد عناصر الوحدة والتماسك بين الأفراد والجماعات السودانية سواء في الماضي أم الحاضر حيث أنه مازال يلعب دوره ويؤدي وظائفه فيه.

   أن السودان بلد إفريقي بحكم وقوعه كقطر مستقل كامل السيادة في القارة الافريقية. وهو أحد أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية المعروفة الان بالاتحاد الأفريقي الذي عقد فيه اجتماعه في مارس 2006م. هذا أضافة ألي كونه عضوا مؤسسا لمنظمة التجارة الدولية " كومسا" في افريقيا وأحد دول الساحل والصحراء " ص". وقد عقد فيه ايضا مؤتمر الشباب الافريقي عام 2005م. كما أنه أحد مؤسسي دول الايقاد. وفوق ذلك كله نجده يحتضن بين ظهرانيه المعهد الافريقي الإسلامي العالمي ذلك الذي تطور مؤخرا الي جامعة افريقيا العالمية. وبه المكتب التنفيذي العالمي لمنظمة الدعوة الإسلامية الافريقية. وقد أطلق اسم السودان على أول المجموعات البشرية التي كانت تقطنه وكان يعني بلاد السود أي الافارقة "2" وكان يشمل تاريخيا وجغرافيا المنطقة الممتدة من مرتفعات البحر الاحمر في شرق القارة وحتى ساحل المحيط الاطلسي في غربها. ومن أسوان شمالا مرورا بالصحراء الكبري وحتى دول خط الاستواء جنوبا. وقد قسم مؤخرا الي السودان الغربي. والذي يشمل دول غرب افريقيا وصولا الي نيجيريا. والسودان الاوسط او السودان الفرنسي. وهو يصل حتى جمهورية تشاد في حدودها مع دارفور. والسودان الشرقي او سودان وادي النيل. الذي يبدأ من حدود دارفور مع تشاد غربا وحتى أثيوبيا واريتريا في الشرق. وهو ما يعرف سياسيا وجغرافيا اليوم بجمهورية السودان وعاصمتها الخرطوم.

  هناك ما يعرف اليوم بالقرن الافريقي وهو ذلك الجزء من القارة الافريقية الذي يلتقي فيه المحيط الحضري بالبحر الاحمر من الجانب الشرقي لتكون اليابسة ما يشبه القرن وهو الحافة. ويقع منزل السفير السوداني في جمهورية جيبوتي في هذا المكان تحديدا. ويطل بجانبيه الجنوبي والشمالي الشرقي عليهما أي في المنطقة التي يلتقيان فيها.

 ويحظي السودانيون بتقدير كبير من قبل سكان هذه الدول. حيث توجد هناك العديد من الصلات الازلية والعلائق والعناصر الثقافية التي تربط بين شعوب هذه المنطقة كلها. كما يوجد تشابه كبير ايضا بينها الامر الذي جعلها تؤثر وتتأثر ببعضها البعض في مختلف مناحي الحياة ومجالاتها المتعددة. ومن أهم هذه العناصر والمكونات المشتركة بين هذه الشعوب التركيبة الأثنية بكل مقوماتها، والبعد التاريخي، والجانب الديني، وسبل كسب العيش وغيرها من الانساق الحضارية الأخرى. التي تنعكس في مظاهرهم الثقافية. كالأدب الشعبي وموضوعاته العامة من قصص وسير شعبية وثقافة مادية. خاصة تلك المتمثلة في الممتلكات والصناعات اليدوية والملابس الشعبية والإكسسوارات والزينة. وطرق البناء والمعتقدات والعقائد الروحية وفنون الآداء الشعبي كالموسيقي والرقص والإبداعات والممارسات الطقوسية والعلاجية والعديد من العادات والتقاليد والاعراف والقيم الشائعة بينهم.

 وتتضح أبعاد اهمية فيما عرف بالكبس النبوي في الحضارة السودانية القديمة. وهو يتميز بقرنه الملتف والذي وجدت بعض الاثار الدالة عليه في منطقة الحبشة " اثيوبيا حاليا " وهو يشبه كيس الفولاني الامبرورو بقرنيه الكبيرين الملتفين. والذي يقود المراح ويتبع صاحبه أينما ذهب. ولا يجرؤ الناس على شرائه لأنهم حتما سيفقدونه. ويعتقدون أنه محاط بكثير من الاسرار لغيبية والاسحار والطلاسم.

كما تبدو أهمية القرن ايضا في أن قدماء النوبيين كانوا يدفنون موتاهم من عامة الناس في مقبرة يحيطونها بحظيرة دائرية واسعة محددة برؤوس الابقار ذات القرون الطويلة. والتي يقدمونها غربانا للموتى أذ أن هذا الاثر مازال موجودا حتى اليوم وممارسا لدي بعض السودانيين حيث نجدهم يضعون قرون الابقار فوق أعالي مداخل بيوتهم التقليدية. الأمر الذي يوضح ان هذه الطريقة من البناء ترجع بالأصل الي الحضارة النوبية القديمة. ونلحظ أيضا ان الرجال الذين يؤدون رقصة المكبلا في جبال النوبة يتشبهون بالثيران الفحول، ويربطون القرون فوق رؤوسهم وذلك تأكيدا لقيم الرجولة وابداء الفحولة أمام الاناث من النساء الراقصات. كما يستخدم السودانيون القرن كأنه نفخ موسيقية ويعزفون في مناسبات مختلفة. وهي ما يعرف بموسيقي القرن أو البوق. هذا ويعتقد المسلمون عامة أن الصور الذي ينفخ فيه يوم القيامة هو البوق أي كما جاء في قوله تعالي " ونفخ في الصور فتأتون أفواجا "

 وقد طورت موسيقي القرن في بعض مناطق السودان لتكون آلة الكيتا المنتشرة في غربه وشرقه كما نجد ايضا موسيقي الوازا مستخدمة لدي قبائل الأنقسنا في جنوب النيل الازرق. حيث يكون القرن أحد أفراد أسرة الآلات الموسيقية التي تعرف بواسطة النفخ. ويعكس ذلك ألإبداع السوداني المتمثل في صناعة أدواته والاته الموسيقية بأصواتها المختلفة وتوظيفها في دعم نشاطاته الحياتية الكثيرة. ونجد كثيرا من ألأهالي في السودان ينفخون في القرن ايذانا بالحرب او قيام رحلة الصيد او بدأ الصيام او الافطار كما يستخدمه بعض الناس كوسيلة لإعلان الوفاة او حلول مناسبة ما.

 وهو أيضا أداة شعبية يستفاد منها في الدعوة والتجمع السريع او المهم بالرحيل من مكان الي أخر. كما انه يشجع الناس على أنجاز العمل الجماعي المعروف بالنفير أو التنادي للفزع والبحث عن الشيء المفقود.

 ومن الحقائق التأريخية الهامة هي أن شعار الدولة السودانية كان قبل طائر صقر الجديان حيوان وحيد القرن. وهو من أقوي الحيوانات الوحشية كبيرة الحجم في الغابات الافريقية ويتفرد بمميزات كثيرة عنها. خاصة الشجاعة والعراك الشرس. ذلك دلالة على قوة وتفرد السودان كأحد دول القارة الإفريقية بحضارته القوية المؤثرة والضاربة في القدم.

 وقد عرف السودانيون بعمق خبرتهم التقليدية المتطورة في مجال التطبيب العلاج البلدي. أذ نجدهم يستخدمون الشد العصبي وما يسمي لديهم بالفليتة او القطيعة والام الظهر والرقبة وما يعرف بالنسبة لبعضهم بمرض ام فولة. ذلك عن طريق الحجامة في موضع الالم بالمحجم " القرن " والفصد او تقطيع " الجرح او الخدش " بالموس للتخلص من الاوجاع بعد تجميع الدم الفاسد بوساطة المحجم واستخراجه.

  وهناك العديد من الحيوانات التي تعرف لدي السودانيين بقرونها. مثل التيس وهو ذكر الماعز او الغزال او التيتل او ابو عرف او الجاموس. ويستخدمون القرون القصيرة في تجليد الحجبات ولبسها على اليد او الرقبة او الوسط او توشحها. وهي تحوي العديد من الادعية والتعاويذ الدينية والرقي وبعض الاعشاب والمواد الأخرى. وتوجد قصة شعبية تحكي في غرب السودان عن التيتل ابو قرون. وهي عبارة اسطورة تعكس حكمة ودهاء المرأة العجوز وتغلبها على أبنها الملك الظالم المسمى كسي فورو. وتقول القصة أن ذلك السلطان كان فظا وقاسيا على قومه. وطلب منهم حفر جبل ام كردوس الواقع شمال مدينة نيالا وتحويله الي جبال الداجو في الشمال الشرقي والبالغ عددها تسعة وتسعون جبلا لتصبح مائة.

 فانهمك الناس في حفر الجبل ليلا ونهارا. وكان رجال السلطان يلهبون ظهورهم بالسياط والعصي حتى ماتت اعداد كبيرة منهم من شدة ذلك العذاب. ففكرت والدة السلطان تلك المرأة العجوز، ودبرت حيلة ذكية وماكرة للتخلص منه واراحة الناس من جبروته. فطلبت زيارته، وحينها أوعزت إليه أن يمتطي حيوانا لم يسبقه أحد في الركوب عليه. وهو غزال التيتل أبو قرون. فأمر رجاله بأن يحضروا إليه حالا تيتل كبيرا حيا بقرونه. ولما اتوا به مسرعين، تم اسراجه جيدا واركبوه عليه وأوثقوه بالحبال بإحكام تام حتى لا يقع من على ظهره. كان ذلك أمام جمع غفير من الناس حيث كانت تقرع الطبول. وتعزف الموسيقا وينفخ القرن في حفل بهيج. ثم أخلي سبيله وضرب التيتل بالسياط فجري به حيث يشاء. واخترق به الغابات والاشجار المتشابكة وصعد الجبال والاراضي الوعرة وشق به الاحراش والفيافي فمزقه اربا اربا حتى تناثرت أشلاؤه. وبذلك تخلص منه الناس.

 وتحكي في وسط السودان قصة البصيرة ام حمد وهي شبيهة بذلك. حيث يقال انها امرأة اشتهرت بالحكمة وسداد الرأي. وكان الناس يستشيرونها في كل شيء. فأدخل عجل راسه بقرنيه في جر " قطعة فخار كبيرة " واحتاروا في ماذا يفعلون تجاهه فذهبوا إليها وطلبوا رأيها واستشاروها في الأمر. فنصحتهم بقطع رأس العجل واخذ الجر. فصارت مثلا بعد ذلك يضرب في معناه.

ويشترط أيضا في خروف الأضحية لدي المسلمين ضمن الشروط الدينية الأخرى لكي يكون صالحا كذبيحة، ألا يكون قرنه مكسورا. خاصة وقد حرم الإسلام كما جاء في القران الكريم النطيحة إذا لم تذكي وتذبح. ويتم النطح عادة بواسطة القرون كما في قوله تعالي " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل بغير الله به والمنخنقة والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم .......الخ "

ويقول الناس في أحاديثهم: فلان قام ليهو قرن، أو سوا " عمل " ليهو قرينات. بمعني انه أصبح يتعالى على الاخرين ويستكبر عليهم بعض الشيء ويغير حاله البسيطة المعهودة. ومن ذلك قولهم ايضا " فلآن كسرت قرينه أو قرونه " أي أذللته وأهنته.

وعندما يكون لدي الانسان ورم ظاهر بين كتفيه أو في مؤخرة رقبته يقال عنه: فلان عنده قرن أو قام ليهو قرن " كما يطلق القرن على الاجزاء الصغيرة المتصلة على ظهر السلاميات او القشور القوية التي تظهر في باطن القدم التي تسمي أيضا عين السمكة لما بها من شبه.

ويطلق على منتصف الجرح الكبير غير المندمل اسم القرن. أي قرن الجرح. وهو الذي يوجد على الساق ويعرف بالكرو. وقد ورد في أمثالهم الشعبية كقولهم: الجديد حلو ولو كان كرو " حيث يضرب في معناه هذا ويطلق على الجزء العميق في منتصف جرح الدابة الحمار او الثور أو الحصان الذي يسببه الحمل الثقيل على ظهورها. ذلك الجرح الذي يسمي الدبرة أو العوارة. ومن ذلك فان قرن الزرع هو طرفه والقرن يعرف لدي السودانيين عامة بالركن أي الزاوية.

ويعتقد المسلمون عامة في كائن اسطوري يري في مفاهيمهم الدينية يسمونه ذا القرنيين ويقولون ان الله سبحانه وتعالي قد امره بحمل قرص الشمس وامساكه حتى لا يسقط عليهم ويصيبهم بالأذى وفي ذلك ربط بينه وبين الإله امون إله الشمس الذي كان يعبده النوبيون قبل دخولهم المسيحية والإسلام وقد عبروا عنه في رسوماتهم ومنحوتاتهم الجدارية. وقد ورد ذكره في القران الكريم عند قوله تعالي " قالوا ياذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا "

ويطلق ثقاة الفونج من المكوك وغيرهم اسم عبد الله قرين علي عبد الله جماع قائد العبدلاب الذي وقع الاتفاقية الشهيرة مع عمارة دنكس زعيم الفونجي مدينة سوبا الأمر الذي أدى الي قيام السلطنة الزرقاء في سنار كما يحكي التاريخ عام 1504م وقد كان قادتها يلبسون الطاقية ام قرينات رمزا للسلطة والهيبة عندما يجلسون علي كراسي الككر.

ويمتلك بعض السودانيون الابقار ذات القرون الكبيرة كالدينكا والشلك والامبرورو وهي ذات الابقار التي وجدت صورها في رسومات الكهوف واثار المجموعة "ج " النوبية والتي عثر عليها وليم ادمس في الخمس آلاف حفرية التي قام بها ابتداء من الدلتا في صعيد مصر مرورا بالصحراء الليبية في منطقة النيجر وقد ورد في قصيدة الهداي احمد جابر الملقب بتيس امبارورو قوله الذي يشبه فيه محبوبته وخصلها ببقرة الكوري بقرونها الطويلة الملتوية ويناجيها بقوله:

كوري ياكوري

قومي لي ضروري

كوري يا حوري

قولي شن بدوري

وكذلك الهداي يوسف حسب الدائم الملقب بأم بري بري وهانجو هانجو يقول في إحدى قصائده " مشكار البنات " يشبه طول شعر محبوبته أيضا بقرون البقرة الكوري ويناجيها ايضا بقوله:

حوري ياحوري                                           قولي لي قولي

تعالي ضروري                                            قولي البدوري

نمشي لدوري                                               بلقي جهالي

كوري حبيبي                                               حوري طبيبي

كوري نصيبي                                              الشعر سبيبي

              حوري ياحوري

ويطلق البقارة بعض الاسماء للأبقار والثيران بناء على شكل قرونها فيسمون مثلا البقرة التي ينكفئ قرناها الي الامام بالكبة.. اما من يكفئا قرناها الي أسفل امام اذنيها ويلتصقا بجانبي الراس يطلقون عليها الاردو وتلك التي يتمددان فيها تجاه الجانبين يسمونها الجلحة وبالمثل على الثور بالمقابل الاكب والارداوي والاجلح وكذلك الاصقع. ويري في امثال السودانيين قولهم: " ماسك قرون البقرة والناس بتحلب " ذلك دلالة على الاستعباط والاستغلال لشخص من قبل الاخرين. كما يقولون في حالة وصفهم للدفاع عن النفس واستخدام القرون المتاحة " كل تور بيطعن بقرنه " أي كل انسان بتسلح بما لديه لدفع الاخر والتغلب عليه.

وتشكل الماشية كما هو معروف في النظام الاجتماعي القيمي لدي الدينكا في جنوب السودان الثروة الرئيسية وهي الماشية التي تمثل بالنسبة الطوطم الذي تتحلق حياتهم حوله. وهي ايضا أحد مرتكزات نظامهم الاساسية التي يقوم عليها ويكادوا يقدسونها حيث نجدهم يقدمونها مهرا للعروسة كما يقومون بتربية الثيران الفحول ويتبارون فيها ويتنافسون بها في الميادين العامة. فيقوم الصبيان بتشكيل قرونها وفقا لمزاجهم. ويقف الشباب الرعاة بجوار ثيرانهم وينشدون القصائد المطولة والاغنيات المادحة لها في صيغة تفاخر بها امام الاخرين ويقوم بعض الاشخاص في البادية بقص الاطراف الحادة من قرون بعض الثيران التي تبريها " تسنها " في الارض والقناطير " جمع قنطور وهو التل الذي يبنيه النمل " لكيلا تؤذي بها اخوانها.

ويصف الناس الانسان الذي يبالغ في الكذب ويجسدون صورته في قولهم " فلآن قال ليهو كضبة " كذبة " بي قرونها " او يقولون مثلا " فلان كضاب " كذاب " كضب يجيب الهواء من قرونه " ويقولون ايضا " الريس " قائد المركب " بجيب الهواء من قرونه " ذلك دلالة على تقدير الرئيس للمسئولية وقدراته الجبارة والتحكم في سير المركب وسلامته وحرصه علي سلامة ركابه.

ويسمي السودانيون خصلة شعر البنت بالقرن تشبيها لها به. حيث كن البنات يقسمن مقدمة شعرهن الي خصلتين كبيرتين متدليتين على الخدين بصورة اشبه بقرن الجاموس او البقرة. ذلك كقيمة جمالية يفتن بها الشباب وتدل علي طول الشعر وغزارته وهو ما نراه في صور الفتيات اللائي رسمهن ولونهن الفنانان عيون كديس وجحا علي اغطية صناديق حلاوة ريا و هما يعتبران احدي مراحل تطور الفن التشكيلي في السودان وكن النساء اللائي لا يملكن الشعر الطويل يجدلن شعورهن بالجورسي والسلة ليبدو طويلا في الرقص عامة ورقصات الرقبة او الجماعة او الدلوكة والطمبور والقديري حيث يقطعن للشباب الشبال " يحركن رؤوسهن بطريقة معينة ويلفحن الشباب بشعورهن ليشتموا روائحا الذكية العطرة " وفي رقصتي الرقبة والطمبور تحني المرأة جسمها الي الخلف فينسدل شعرها ويبدو طويلا امام الرجال فيثير اعجابهم وهناك العديد من القصائد والاشعار الغنائية التي تمجد الشعر وتذكر جماله يرددها الناس و قد ورد في اشعار الهدايين عبارات يشبهون فيها شعر محبوباتهم بالقرون كقولهم مثلا:

" يام قران حمرة غزالة الشام "

او " " ام سيحات صفرة صبيرة الخلاء"

" يا أم قران دموعي جرن كتار "

" أم مساير السمحة بنيت الساير "

ونلحظ هنا ان معظم الصور والتشبيهات التي اتي بها الشعراء مستوحاة من البيئة المحلية الامر الذي يؤكد ان الشاعر ابن بيئته فهو منها ولها وإليها.

وهناك العديد من القصص الشعبية السودانية التي تدور حول الخصل الطويلة والشعر السبيبي. منها مثلا قصة فاطمة السمحة والملك الغول الشائعة في أواسط السودان. والتي يرد في نصوص عدة. يستخدم فيها الغول وهو حيوان خرافي من صنع الخيال السوداني الافريقي مع ملاحظة ان اسمي فاطمة ومحمد الذين يردا في القصة يدلان على أثر الثقافة العربية الإسلامية على المجتمع وتحكي القصة ان فاطمة تصعد فوق راس شجرة تختفي خوفا من الغول الذي ينوي اكلها. ويسعي اخوها محمد لإنقاذها منه وعندما سمع الغول صوت اخيها محمد وهو يبحث عنها ويناجيها ذهب الي الهداي وطلب منه ان يسن له حسه " صوته" حتى يكون كصوت اخيها محمد. ومن ثم بداْ يحاكيه ويناجيها مثله بقوله:

زي زي حنيجر الجدي

دودلي قرنيكي لي

ويقصد الغول بزي فاطمة السمحة التي تشبه رقبتها رقبة جدي الغزال وقوله " دودلي قرنيكي لي " بمعني مدي خصلة شعرك الطويلة لكي امسك بها وانتشلك من الغول. فتكتشفه فاطمة وترد عليه قائلة:

الغول يا الغول

راجل الخلاء الملعون

الله أبلاني بيك

ويقدم بعض السودانيين في إطار التنشئة لتنمية مسائر " خصل الشعر " البنت عن طريق حلاقة كل شعرها صلعة منذ الطفولة. ثم يتركون أجزاء منه تدريجيا عند كل حلاقة وكلما كبر عمرها. وعلي خصل الشعر غير المحلوق والتي يمشطونها " يجدلونها " اسم اللغايا ومفردها لغية. وهي أشبه بكمية من اللحاء او قش البردي المجفف عندما ينسج مع بعضه ليسهل حفظه واستخدامه كسفائن ومفردها سفينة توضع على ظهر الثيران والحمير في شكل لبدة لحمل المتاع على ظهرها لذلك تشبه بها خصل شعر البنت التي تكون قد بلغت سن الزواج وتسمي الخصل قرون الشعر.

وكعادة بعض الجماعات الرعوية في السودان. نجدهم لا يحلقون شعر الطفل الذكر كله الا عندما يبلغ سن السابعة او العاشرة اذ يتركون جزءا منه يسمونه القجة او القطية لما بينهما من شبه ويقومون بمشاطه " جدلة " ليكون في شكل خصلة طويلة واحدة متدلية علي راسه يسمونها الجرٌة او القرن ويزيلونها عندما يكبر ويقدمون على طهارته. ويدفعون له بعض المال كفدية وهو ما يعرف لديهم ببقرة الصرف والجرة هي اساسا الطعام المتبقي بعد المضغ الذي تلفظه الحيوانات المجترة كالإبل والبقر والضأن والماعز والغزلان والارانب وغيرها. حيث يقال انا صقعت " مضغت واجترت" الثمار ورمت بها كاللألوب والحميض مثلا. ويشبه بتلك البقايا شعر الطفل غير المحلوق والجرة دلالة على الشبع وحسن الرعاية.

فكلمة القرن لها تعريفات عديدة لدي السودانيين. وتعطي دلالات ومعان مختلفة في ثقافتهم الشعبية. فهناك مثلا نوع معين من قلب الخيل يتطلب ابداعا شديدا ومهارة عالية يسمونه القران. ويقولون " ناس فلآن قرنوا الخيل " أي طردوهن وهي مقرونة. وتتبع ذلك الزغاريد والتهليلات التي تعبر عن الفرح والسرور والقران ايضا هو الحبل الذي يربط به العجل على رجل امه اليمين لكي تحلب.

ويسمي السودانيون اول الحديث قرنه ويطلقون على عذابة الماء قرنه كما يعني لديهم أول اللبن الذي يحمل القشادة او الجمادة "الزبدة " قرن اللبن وقرن الضرابة قطعة البامية. وقرن البول هو المكان الذي يحفره في الارض. ويطلقون اسم القرن على بعض الاشخاص مثل قرين شطة وأبو قرون وقرني وغيرهم. ويصفون الانسان ذا المكانة الرفيعة والوضع المرموق بالقرن الكبير مع ملاحظة ان هذا الوصف مقتصر لديهم على الرجال فقط لكون المجتمع السوداني ذكوري الطابع والنظام ويسمون فرس البحر القرنتية. ولديهم موضوعات اخري كثيرة يبدأون اسمها بالقرن.

ويكني الاطفال الشخص الذي يحمل جردل الفضلات علي راسه بعمي قرين وهو من الاعمال المهنية التي أدخلها المستعمر في السودان. وقد زال الان بعد ان استبدلت " ادبخانات الجرادل بالحفر والمراحيض والسايفون والمصاصات.

كما يعبر السودانيون عن قوة الصداقة وارتباط الشيء بالأخر بالاقتران. فيقولون مثلا " فلان قرن فلان " أي تصادقا. او كانا يسيران مع بعضيهما وهما متقالدين ويضعان ايديهم فوق كتفي بعضهما البعض. ذلك دلالة على الحميمة وشدة الترابط وصدق الاخوة بينهما. وفي هذا يعتقد السودانيون فيما يعرف لديهم بالقرين أي المثيل او الشبيه وجاء في حديثهم قولهم " قرائن الاحوال " بمعني القضايا المتشابهة في الأصل او المظهر والمقترنة ببعضها البعض من حيث الشكل او الدلالة والمعنى. ويقولون المقران كما هو عبارة عن قطعتين من ثمار شجر الدوم ملتصقين مع بعضها. وعلي ذلك يسمي ملتقي النيلين الازرق والابيض المقرن. او مقرن النيلين الذي يرد كثيرا في بعض أغنياتهم. وتوجد هناك حديقة المقرن العائلية وحتى المقرن.

ويقال إن الآية " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان " وقد وردت فيهما. وقارن بمعني قارب بين موضوعين المعرفة اوجه التشابه والاختلاف بينهما.

تلك هي اهم الدلالات والمعاني للقرن كما هو معبر عنها في الثقافة السودانية. الامر الذي يوضح ان القرن وما اتصلت به من مفردات او تشابهت معه تحظي بتقدير خاص وفهم عميق ودلالات كبري لدي المجتمع لسوداني بتكوينه الاثني والثقافي المركب. وهي تتمتع بقدر معين من الوعي المنتشر في جسد ووجدان المجتمع السوداني الذي يكن لها كل حب واحترام. وتجيء من ذلك وتتضح اهمية القرن وقيمته في الحياة السودانية. نظرا لما له من معان ودلالات واستخدامات عدة كما هو منتشر في الثقافة الشعبية.

 

الهوامش:

1/ أنظر خارطة افريقيا السياسية والعالم

2/ مصطفي محمد مسعد. مجموعة النصوص والوثائق العربية الخاصة بتاريخ السودان في العصور الوسطي. دار الاتحاد العربي للطباعة ،1972 الصفحات 115-116

3/ أنظر ايضا عبد الهادي الصديق. الحزام السوداني وتاريخه الحضاري. مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي 2005 الصفحات 8و11

أنظر أيضا صلاح الدين الشامي. السودان دراسة جغرافية. منشأة المعارف الاسكندرية ،1973 الصفحات 15و16

4/ محمد سعيد ناور العروبة والإسلام في القرن الافريقي ز بدون ناشر او تاريخ ص 4

5/ صالح الحارث " الصريح العبارة. لماذا الخرطوم عاصمة الثقافة العربية فقط؟؟؟ الايام ع 82894 السبت 3/9/2005م ص 6

أنظر ايضا عبد الهادي الصديق. الحزام السوداني مرجع سابق الصفحات 28و84 ،157و212

أنظر ايضا اسماعيل الحاج موسى. تجربة السودان في التعبير عن التنوع في الحياة العامة سياسيا. المركز السوداني للخدمات الصحفية 2006م الصفحات 5و6

أنظر ايضا محمد المهدي بشرى. الفولكلور في ابداع الطيب صالح. دار جامعة الخرطوم للنشر 2004م ص 29و41و42

6/ محمود التجاني محمود " ترجمة " النوبة رواق افريقيا. لمؤلفه ويليام أدمس. مركز مطبعة الفاطمية اخوان 2005م ص 162

7/ سورة النبأ الآية 18

 8/ علي ابراهيم الضوء. الموسيقي التقليدية في مجتمع البرتا معهد الدراسات الافريقية والاسيوية، جامعة الخرطوم المركز الطباعي 1983 ص 53

9/ سليمان يحي محمد تراث دارفور الشعبي. مسودة متاب قيد النشر 2006م ص 95

10/ الشيخ بابكر بدري الامثال السودانية ج 1 يوسف بابكر بدري لإعداد ونشر " 1963 ص 231

11/ سورة المائدة الآية 3

12/ عمر حاج الزاكي. الاله امون في مملكة مروي. جامعة الخرطوم مطبوعات كلية الدراسات العليا 1983 الصفحات 1و175

13/ سورة الكهف الآية 94

14/ نعوم شقير جغرافية وتاريخ السودان. بيروت: دار الكتاب وبدون تاريخ.

الصفحات 382و431

15/ علي عبد الله أبو سن. مذكرة ابي سن عن مديرية دارفور. دار الوثائق القومية 1968 الصفحات 66و70

 

د سليمان يحي محمد


عن الكاتب

Alghaly Yousif مهندس مدني محترف عمل في مختلف مجالات الهندسة المدنية من بناء مجمعات سكنية وطرق وغيرها إلي تشييد السدود و الخزانات

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

تجارب مهنية