تجارب مهنية

نهتم بمواضيع متعددة كالهندسة و العقارات و البيئة و مواضيع أخرى عامة , نأمل متابعتكم و مقترحاتكم لكي نستمر في التطور و التحسين على الدوام.

recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أترك تعليقك و رأيك الذي يضيف إلينا و نتعلم منه و نتطور

الراكوبة و علاقتها بنشأة العمارة و تطورها

 

الراكوبة

الراكوبة و علاقتها بنشأة العمارة و تطورها


مقدمـــة:

          تحتل الراكوبة من حيث الشكل المعماري والمضمون الاجتماعي والثقافي موقعها الهام الذي في العمارة التقليدية السودانية. ويشمل الحديث عنها أهميتها في حياة الناس ووظائفها المتعددة سواء الاقتصادية أم الاجتماعية أم الثقافية. هذا بالإضافة إلى محاولة رصد وتتبع مستوي مواكبتها لتطور العمارة السودانية الحديثة وما إذا كانت أو ما تزال تندرج ضمن ملحقاتها البنائية. كما تهتم الورقة برصد المتغيرات الهامة التي صاحبتها في شكلها ومضمونها. بدءً من نشأتها وتتبع أشكال ومراحل تطورها لكونها أساس نشأة وتطور العمارة السودانية ولكونها ممارسة لدى كل المجتمعات السودانية القديمة منها والحديثة، فإنها تشكل أحد مظاهر الثقافة الشعبية المشتركة بين السودانيين والتي تربط بينهم وتعكس وحدتهم.

   

 نشأة العمارة وتطورها:

          بدأ الإنسان يبحث عن السكن بصورة تلقائية منذ فجر الحياة أي منذ ما عرف بفترة ما قبل التاريخ وهي الفترة التي سبقت اكتشاف الكتابة وتصميم الحروف التي كتبت بها اللغات الأولي في العالم وتم اختيار الأشكال المناسبة لها وأصواتها الدالة عليها ومعانيها وطريقة رسمها ووضعها متراصة أفقياً أو رأسياً. وقد دفعت الإنسان إلى البحث عن السكن الظروف الطبيعية التي أحاطت به كالسيول والأمطار والبرد والحر. وكذلك لحفظ نفسه وممتلكاته ووقايتها من الحيوانات والآفات الضارة. هذا بالإضافة إلى حاجة الإنسان إلى أمكنة خاصة للتعبد والاستشفاء وممارسة الحياة الفطرية الخاصة.

 

          وقد بدأ الإنسان يتخلى تدريجياً عن تسلق الأشجار والاحتماء بفروعها نظراً لضعف حمايتها له ومحدوديتها مقابل احتياجاته الأخرى. فلجأ إلى الاستفادة من الفتحات الكبيرة بين الحجارة ليتخذ منها مسكناً لما توفره له من بعض الظروف شبه الآمنة والمستقرة. وكانت تداهمه الأفاعي والحشرات الضارة والسيول من خارج وداخل تلك الأحجار، ففكر في كيفية التغلب عليها وصدها وإبعاد مخاطرها، فبدأ يعدل في تكوين تلك الأحجار التي عرفت بالكهوف ويحذف منها الأجزاء التي تحد من حركته داخلها ويوسع مساحاتها الداخلية ويضيف إليها أجزاء أخرى ويبني بعض الفواصل لتقسيمها من الداخل. بحيث صار يخصص كل جزء منها لأداء مهمة معينة تتعلق بحياته داخلها. وأصبح يزينها من الداخل لتبدو أكثر جمالاً باستخدام الرسومات والحفريات الجدارية بوساطة الألوان الترابية التي كان يخلطها بعصارات الأشجار. وكان يرسم الحيوانات والكائنات الأخرى والظواهر الطبيعية كالشمس والقمر والنجوم والرعد والبرق والأسود والنمور والزواحف والحشرات والبراكين وغيرها. ذلك إما بغرض التقرب إليها وعبادتها واستجدائها أو لخلق الألفة بينه وبينها وتفادي شرها وفرض السيطرة التامة عليها. هذا بالإضافة إلى رسم صور الناس ونحت قطع صغيرة تمثلهم. وهم غالباً ما يكونون الأجداد المتوفين. ويكونون محط تقديس وعبادة باعتبارهم مصدر الحياة والصيرورة بالنسبة لخلفهم من الأبناء والأحفاد. وينظر إليهم الشخص الذي يرسم صورهم أو يصنع لهم منحوتات صغيرة ويحتفظ بها في مكان معين برهبة وخوف وتقدير معتقدا بذلك أنهم هم الذين يمدونه بالقوة ويساعدونه في تحقيق النصر والتغلب على الصعاب ودرء المخاطر والكوارث التي تهدده. ولكي يحظى بإرضائهم وكسب ثقتهم وموافقتهم.

 

فأصبح الإنسان يفرد لهم مكاناً معيناً في الكهف يعده بمثابة المعبد أو مكان للتعبد فيه. وبهذه الصورة تطورت خبرة إنسان الكهوف في بنائها برحى الحجارة التي يختارها لذات الغرض ووضعها فوق بعضها لبناء منزله الذي يسكن فيه. وبمرور الزمن وتطور الإنسان نفسه واتجاهه نحو السكن في شكل مجموعات حول مجاري الأنهار ومصاب المياه، بدأ يستخدم الطين اللبن بدلاً عن الحجارة وحدها في البناء، وبدأ يعالجه بوضع الكتل الطينية فوق بعضها البعض ويضغطها لتكون أكثر تماسكاً. والتي تتخللها بعض الحجارة لبناء الجدران وسقفها بالفروع والأعشاب وتغطيتها مؤخراً بالطين لتبدو في شكل حجرات. والتي تطورت فيما بعد لتكون قري ومدناً كما هو واضح لدي إنسان الحضارات القديمة. وقد استفاد في ذلك من المواد المحلية والمتوفرة لديه. وقد كانت الراكوبة هي الهيكل الأساسي الذي اعتمد عليه في إقامة كل البنايات المعمارية الجديدة. وقد استفاد في تطوير خبراته من ملاحظته وتقليده لخبرات النمل في بناء بيوتها من الطين فيما يعرف بالقناطير (مفردها قنطور وهو المثل الذي يبنيه النمل من الطين). وكذلك بعض النحل والذنمبور الذي يبني منازله على فروع الأشجار من الطين.

          ومع تطور وعي الإنسان وكبر معرفته واتساع مداركه، بدأ يخطط لقراه ومدنه ويشق بينها الطرق والممرات التي تتيح له الحركة جيئاً وذهاباً وخصص أماكن بعينها للأسواق والادارة والحماية العسكرية والمعابد والمتاجر والملاعب والميادين العامة. كما قام ببناء الأسوار لتأمين قراه من الغزاة وحمايتها والدفاع عنها ضد الأعداء – فأقام بعض المباني الشاهقة في مداخل القرى وعلى جنباتها واتخذاها كقلاع حربية للدفاع عنها. ومع تطور تكنولوجيا البناء بالاستفادة من الخامات المحلية، وتطور معارف الإنسان وفنونه مقرونة بالجوانب العلمية والدينية، توصل إلى طرق معينه في بناء السكن وفقاً لوظيفته المطلوبة. فظهرت ما أسماه المؤرخون بأساليب وطرق البناء أو العمارة. والتي امتدت في تطورها إلى القرون الوسطي مروراً بعصر النهضة ووصولاً للعصر الحديث واستمراراً حتى العصر الحالي. وقد أثرت الظروف التطورية تأثيراً كبيراً في تحديد شكل المبني ووظيفته في حياة الإنسان خاصة بعد ارتقاء المفاهيم الدينية ونزول الديانات السماوية وبالتالي يمكن تقسيم العمارة إلي:

 

1)    العمارة السكنية والتي تعني المساكن وبيوت الشرائح المجتمعية.

2)    العمارة الرسمية وهي عمارة الدولة أو العمارة الديوانية أو الحكومية مضاف إليها المنارات والصوامع.

3)    العمارة الحربية أو الدفاعية.

4)    العمارة الدينية والتي تشمل المعابد القديمة والكنائس والمساجد.

5)    عمارة المدافن والتي تشمل القبور والقباب والاهرامات.


          وتميزت العمارة القديمة بأعمدتها وممراتها وسقوفها الخاصة بكل شعب عاش وأقام دولة أو مملكة قديمة في العالم. وقد سميت باسمة كما اشتهرت المسيحية بأساليبها المعمارية المعينة التي تطورت وعرفت بالرومانسكو والقوطي والبيزنطي والقبطي. وعندما جاء الدين الإسلامي وأكد على فكرة التوحيد ودعمها وبشر بالجنة والنار وحرم نحت ورسم وتصوير الكائنات التي كانت محل عبادة وانتشر في العالم، فقد استفاد من العمارة المسيحية وخبرات ومعارف معماريها ونتج عن ذلك ما يسمي بالطراز أو المدارس الفنية الإسلامية والتي تطورت من الزخرفة السامرائية وأفرزت ما عرف بالأرابيسكو – أي الزخرفة العربية الإسلامية والتي استفادت من التكوينات الثابتة والمتحركة والمتداخلة للأشكال الهندسية وجزوع وجذور وفروع وأوراق وورود النباتات وصور الطيور والحيوانات. واصبحت تتمتع بخصائص وقواعد معينة وهي المدرسة الأموية والعباسية والفارسية والفاطمية والأندلسية وغيرها. والتي أثرت بدورها على العمارة في مختلف أنواعها تأثيراً بالغاً. ومع تطور العلوم والمعارف التطبيقية تطورت تكنولوجيا البناء وظهرت خرائط البنائين والفنانين المعماريين. وتم استحداث مواد البناء كالطوب المحروق والجبس والحديد والزجاج. وظهر الجملون وكذلك المآذن والقباب والشبابيك والأبواب والأعمدة والتيجان والصحون والمساحات والفواصل والمقرنقات والنوازل. وبنيت الأسوار الطويلة مثل سور الصين العظيم وسور برلين. وذلك لفصل الشعوب عن بعضها وحصرها في مناطق محددة. وهي تعد من عجائب الدنيا السبع بالإضافة إلي الأهرامات في وادي النيل والأبراج واشهرها برج إيفل في فرنسا وسد مأرب في اليمن وقصر التبت المعروف بالتاج محل في الهند وحدائق بابل المعلقة في بلاد ما بين النهرين وحصان طروادة. وأقصي مرحلة بلغتها العمارة في تطورها ما عرف بالعمارة الزجاجية التي لم يسهل تجاوزها إلا عن طريق الاستفادة من العمارة الإسلامية في شمال أفريقيا.

 

العمارة السودانية:


          يمكن تقسيم العمارة السودانية وهي جزء من عمارة العالم إلي عمارة تقليدية وأخرى حديثة. وتشمل العمارة التقليدية البناء القديم والحديثة المباني والإنشاءات المعاصرة. ويمتد تاريخها إلى فترة الكهوف ويتواصل حتى الآن عبر العصور التاريخية المختلفة. وتتكون من العمارة السكنية والديوانية والدينية والحربية وعمارة القبور.

 

1)    العمارة السكنية:

          هي المنازل والبيوت التي يسكن فيها الناس. فأما التقليدية منها فتشمل الخيام وهي خاصة بالمجموعات الرعوية المتنقلة. بالتالي فهي غير ثابتة. وتتخذ الأشكال الكروية أو البيضاوية أو المستطيلة. وتصنع من المواد المحلية مثل البروش والوبر والجلود وسيقان وفروع وأوراق النباتات، وهي تختلف من مجموعة لأخرى. وقد أضيفت إليها مؤخراً المشمعات والخيام الجاهزة التي تشتري من الأسواق المحلية والحديد. هذا بالإضافة إلى الأسرة الحديدية والمراتب القطنية بدلا عن العناقريب والدرانقل.

          كما يقوم سكان القرى ببناء منازلهم من القش والحطب فيما يعرف بالرواكيب والكرانك والقطاطي والدرادر والتي تبني قاعدتها أحياناً من الطوب اللبن أو الطين والحجارة أو الطين والمطارق. وتبني حولها الحدائق البلدية المعروفة بالحيشان. وتحفر في بعض أجزائها آبار الادبخانات التي تغير من وقت لآخر نظراً لتعرضها للدمار نتيجة لحركة الأرض والأمطار وتآكل المروق والأعواد والقش والقصب والحصير. كما تبني بجوار القطاطي مخازن الغلال البلدية والتي تسمي السويبة أو البيلية أو الدبنقة. وهي إما تبني على الأرض بجوار أو داخل القطية أو توضع فوق راكوبة ويتم الوصول إليها عن طريق التسلق. وهي تغطي من أعلي عندما تبني في الخارج ببناء منحدر أشبه بالجزء الأعلى من القطية والذي يتخذ شكل المخروطي أو القرص.

          وبدلاً عن القطاطي والدرادر المبنية بالقش والحطب، واتخاذها كمساكن خاصة في الأماكن الغزيرة الأمطار، وتجديدها من وقت لآخر، تبني بعض الجماعات القروية بيوتها ذات الحجرات المستطيلة أو المربعة من الجالوص بما في ذلك الحيشان. خاصة في المناطق الجافة أو قليلة الأمطار. وغالبية القرى لا تكون لديها خارطة مصممة مسبقاً فيتم تخطيطها مستقبلاً بوساطة الجهات الرسمية. وكثيراً ما تأخذ القرى غير المخططة الأشكال الدائرية أو المحازية للنيل، وتكون الطرقات عبارة عن ممرات ضيقة وملتوية بين المنازل التي تخلو في بعض الأحيان من الحيشان والفواصل المحددة وبذلك فهي تنمو وتكبر بصوره عشوائية. وتنعدم فيها العديد من الخدمات والممارسات الصحية.

          وقد انتشرت مباني القطاطي في مناطق الإنتاج الحديث كمشروع الجزيرة مثلاً. ويقوم بإنشائها كمباني سكنية مؤقتة العمال الزراعيون القادمون للعمل في المشروع من المناطق الأخرى. وعرفت بالكمبو ( Camps ) أي معسكرات العمال وأسرهم . كما ظهرت المباني غير المخططة في ضواحي المدن خاصة العاصمة فيما يعرف بالسكن العشوائي الذي يقيمه الأشخاص الذين جاءوا للعاصمة نتيجة لظروف عدة حصلت بمناطقهم الأصلية ودفعتهم للهجرة إلى الخرطوم. منها انعدام الخدمات في الريف وتمركزها في الخرطوم. والبحث عن فرص للعمل في المجالات المختلفة. هذا بالإضافة إلى افقار الريف نتيجة للسياسات التنموية غير المتوازنة والبرامج التطويرية غير المتكافئة، وتأثر تلك المناطق بموجات الجفاف والتصحر وعدم نزول الأمطار والحروب الأهلية وغيرها. وعادة ما يبني الناس منازلهم من المواد المؤقتة الأرخص خاصة الجالوص والجوالات والكرتون والقش والحصير والحطب والصفيح والأقمشة البالية والمشمعات. الأمر الذي جعل السلطات الرسمية تضع خططاً سكنية ومبان شعبية جديدة وفي فترات مختلفة لترحيل هؤلاء الناس وتمليكهم قطعاً سكنية ومنازل جاهزة وفقاً لشروط معينة. لتوطينهم بصورة ثابتة وتوفير الخدمات الضرورية لهم. كما قد تمت مناشدتهم للعودة إلى قراهم ومناطقهم خاصة بعد إبرام الاتفاقيات السياسية مع القوي المعادية للحكومة المعروفة بالحركات المسلحة. وقد استجاب بعضهم إلى ذلك.

          وقد ظهرت تدريجياً المباني السكنية المبنية من المواد الثابتة كالطوب المحروق والأسمنت والحجر والزنك والخشب والسيخ والسلك الحديدي والمسامير. خاصة في المناطق المحيطة بالأسواق المركزية. وبدأ الناس يبنون بيوتهم من العقد والأعمدة الأسمنتية والأسقف البلدية المائلة قليلاً لتصريف المياه بواسطة السبلوقات. والأخرى المبنية من الزنك والخشب والبرابيت.

          وصارت البيوت تبني وفقاً لخارطة مصممة من قبل المهندسين المعماريين. والخارطة التقليدية التي اتبعها الناس تعرف ببناء حجرتين بالخلاف لربطهما مستقبلا ببرندة ومسطبة وصالون. هذا بالإضافة إلى بناء المنافع الأخرى كالمطبخ والحمام والادبخانة والراكوبة المستحدثة الشكل والمواد. كما ظهرت القصور والفلات والطوابق فيما يعرف بالعمارات والشقق السكنية وبدأ الناس يتفننون في الخرائط السكنية ويجلبون بعضها من الخارج من بلاد المهجر. وقد قيمت الدولة المدن ووضعتها في درجات وكذلك المباني السكنية الحكومية والأحياء. وحددت نوعية المباني التي تتناسب مع كل درجة وكل حي سكني. وألزمت الناس بإتباع ذلك النظام وعدم الخروج عليه. وهو ما يعرف بقانون الأراضي. ومن هنا ظهر الحي درجة أولي ودرجة ثانية وردة ثالثة وهكذا. وصارت مواد البناء بعضها ينتج محلياً وبعضها يجلب من الخارج. وأصبح كل إنسان يبني حسب مقدرته المادية. وظهرت الشركات والبيوتات المتخصصة في البناء المعماري.

          وقد بدأت جراء ذلك تختفي ادبخانات الجرادل وما تتبعها من عمليات أخرى وحلت محلها الحفر الماصة والسيفونات وشبكات المجاري على امتداد المدن والأحياء العريقة والطرقات المسفلتة. وتم ربط المدن بالطرق المعبدة والكباري النهرية والأخرى المعلقة والأنفاق وخطوط السكة حديد والترماي الذي اختفي مؤخراً. وشملت الخطط الجديدة الميادين والفسحات والملاعب الرياضية والاستادات ودور الأندية الاجتماعية والرياضية والحدائق العامة والأسواق والمتاجر التي شملت المطاعم والكافتيرهات وكل أماكن بيع المأكولات والمشروبات وصالات العرض والمسارح. رغم إنه قد بدأت تقام الدكاكين والمتاجر كجزء من المنازل على امتداد الشوارع والطرقات العامة. والتي تستخدم لأغراض تجارية مختلفة. كما قامت المناطق الصناعية في كل المدن التي توجد بها أيضا الورش والمخازن والمصانع الصغرى والكبيرة. هذا بالإضافة إلى أسواق الماشية والسلخانات والكمائن والمحاجر وغيرها.

          وقد شيدت بعض القصور القديمة مثل قصر السلطان علي دينار في غرب السودان والذي استخدم فيه الحساء المعروف بمرقة الكوارع، وقصر الشناوي في سواكن بشرق السودان، وقصر إسماعيل قيلة في الدفار بشمال السودان. وقصر الملك خورشيد في وادي هور بشمال دار فور. 

              

2)    العمارة الديوانية (الحكومية):

          تشمل مكاتب الدولة ومباني البريد (البوسطة) والمحاكم القضائية والسجون والمدارس والجامعات والسكك الحديدية وسكنات العاملين فيها والمطارات والمستشفيات والمراكز العلاجية والصحية ( الشفخانات ) والمباني العسكرية ومكاتب وبيوت السفارات والهيئات الدبلوماسية ، ومنازل الموظفين ( أحياء الموظفين ) والقصور الرئاسية . وتتميز المباني الحكومية سواء الديوانية أو السكنية بخرائط معينة ومعروفة لدي الناس. كما كانت تسقف مباني المدارس وبيوت الموظفين بقش المحريب أو النال. وتبني في شكل جملونات حيث استعيض عن ذلك مستقبلاً بالزنك. 

 

3)    العمارة الدينية:

 

تنقسم العمارة الدينية إلى عدة أنواع. ذلك منذ نشأتها الأولي. أي منذ عهد الكهوف ويمكن تصنيف هذا الشكل من العمارة بناءً على الوظيفة التي يؤديها أي نوع منها في حياة المجتمع البشري. وهي المعابد والمدافن أي القبور. فأما المعابد فقد تطور بعضها فيما بعد إلى الأديرة والكنائس والمساجد. وأما النوع الثاني فهو المدافن والبنايات التي توضع فوقها أو تبني كالقباب والإهرامات. وقد عرفت في التاريخ المدافن الجماعية. وعادة ما يكون لنوع المعتقد الديني دور مؤثر على شكل العمارة الدينية وتقسيماتها الداخلية وأشكالها الخارجية والاتجاهات التي تتجه نحوها والأوضاع التي توضع فيها جثة المتوفى أي المدفون. سواء توضع مستلقية في تابوت على ظهرها وممددة يديها على جنباتها وكذلك أرجلها. وهي تنظر إلى أعلى وتترك عينيها مفتوحتين كالمومياء مثلاً. وتأخذ أي اتجاه وقد تدفن المومياء بوضع التوابيت فوقها. أو توضع مستلقية داخل الأرض على جنبها الأيمن وهي ممددة أرجلها ويديها بعد أن تلف وتربط بالقماش الأبيض الذي يسمي الكفن. والذي يربط بأشرطة من القماش في أماكن معينة. وقد توضع أحياناً بذات الوضع في تابوت مصنوع من الخشب خاصة بالنسبة لجثث الموتى المرسلة من الخارج والتي لا يتم نبشها خوافا من تعفها وتحللها أو خوفاً من الإصابة بمرض معد. وتتبع هذه الطريقة الأخيرة من قبل المسلمين. كما يدفن غير المسلمين خاصة أتباع الديانات السماوية اليهودية والمسيحية جثث موتاهم في توابيت خاصة وتدفن مع الجثة بعض الحلي والمجوهرات والممتلكات لاعتقادهم في عودة الروح ومواصلة الحياة الأبدية كما هو لدي قدماء السودانيين. وهناك طريقة أخرى تمارس لدي بعض الجماعات السودانية هي دفن الموتى في حفر كبيرة ومواراتهم بالتراب وهم يجلسون على ركبهم أو يجلسون القرفصاء. وقد وجدت مقبرة بها هذا النوع من الموتى في منطقة المقرن عند حفر كبري النيل الأبيض. كما وجدت تقارير للموتى من قدماء السودانيين وهي تحوي قطعا من بيض النعام وسن الفيل في مقابر الموتى المبنية من الطوب الأحمر في باطن الأرض.

          وقد بني قدماء السودانيين معابدهم التي كان يتعبد فيها الملوك الآلهة والكهنة، وتوجد بها أماكن خاصة بتقديم القرابين. كما توجد بها رسوم وصور ورسومات جدارية متراصة فوق بعضها وقائمة على أسلوب المواجهة ومنحوتات كبيرة وصغيرة من الحجر للملوك الآلهة والملكات (الكنداكات) اللائي كن أمهات الملوك بعضهن جالس والأخريات مستقيمات. كذلك وجدت بعض القطع المعدنية والآواني الخزفية والآلات الزراعية والدفاعية مدفونة بجوارهم. وقد بنوا القصور والإهرامات الضخمة لدفن موتاهم والاحتفاظ بجثثهم وجعلهم يمارسون حياتهم بعد الموت وفقاً لاعتقادهم وزينوا حوائطها بالرسومات والمنحوتات التي تعكس حياتهم الأولي.

          وبعد دخول المسيحية قامت الكنائس التي بنيت على الطرز البيزنطية مثل كنيسة فرس ووادي هور وغيرها من الكنائس والمباني التبشيرية التي قامت بعدها وانتشرت في كل بقاع السودان. كما بنيت المساجد العتيقة في منتصف المدن بالقرب من الأسواق أولا ثم صارت تبني في الأحياء والقرى وفقا للكثافة السكانية. وقد تأثرت في تصميماتها بالطرز الإسلامية الشائعة في الفنون الأخرى. وهناك بعض المساجد عبارة عن رواكيب أو كرانك مبنية من المواد المؤقتة كالغش والقصب والحصير والقنا والمروق والأعواد. كما تبني حول المسجد عادة رواكيب كبيرة بالحديد والزنك لتوسعتها أو استغلالها للتهوية وعند اشتداد الحر في داخل المبني الأساسي للمسجد. وألحقت بمعظم المساجد سواء كانت مبنية بالمواد الثابتة أو المحلية الخلاوي ومساكن طلابها والأئمة وحراسها. كما توجد بها بعض المباني المخصصة لمياه الشرب والطهارة والوضوء والرواكيب المبنية في شكل شبكة لتوضع فوق وحول المولدات الكهربائية لحمايتها. وتبني في المساجد المئذنة ويكون لبعض المساجد أكثر من مئذنة وقبة ويوضع فوقها الهلال الذي يرمز للإسلام.

          وكثيراً ما توجد مكتبات تباع فيها الكتب الدينية والأدوات المكتبية تكون لصق الأسوار الخارجية للمسجد. وتوجد بداخل المسجد الأعمدة والركائز التي يقوم عليها المبني الذي يكون أحياناً من طابق. وهناك مكان مخصص للنساء في المسجد يكون مفصولاً بساتر. ويوجد بداخله محراب الإمام ومنصة الخطبة التي يعلوها عن طريق السلالم أو المدرجات.

          وتفرش المساجد إما بالرمل الناصع أو الأبسطة البلدية كالبروش والشمال أو المشمعات الملونة والموكيت. وتعلق في غالبيتها المراوح والمكيفات. ويحق للمسلمين دخول جميع دور العبادة ولا يسمح لغيرهم دخول المسجد.

          وهناك بعض المساجد ملحق بقباب الشيوخ الدينيين ورجال الطرق الصوفية المنتشرين في وسط وشمال السودان. ولعل أشهرها مسجد الخليفة عبد الله الملاصق لقبة الإمام محمد أحمد المهدي ويسكن الناس عادة خاصة أتباع شيخ الطريقة الصوفية المعينة حول قبره الذي يبنون حوله قبة وتتناثر حولها بيوت الناس من الأبناء والأحفاد والمريدين. وتوجد بها مساكن الأسر والمريدين وتنمو القرية التي تسمي باسمه وتكبر حتى تتحول إلى قرية كبرى ومدينة أو حي. مثال ذلك مدينة ود مدني السني وحي القبة الذي نجده في مدن عده، وقرية طيبة الشيخ عبد الباقي وغيرها. وتقام احتفالات الذكر سنوياً تخليداً لذكرى الشيخ الذي يشارك أتباعه ومريدوه في احتفالات المولد النبوي الشريف.

          ويذكر الفولكلوريون أن ارتباط الناس بقباب وأضرحة الشيوخ يقف عائقاً أمام تجمع القرى لتوفير الخدمات. ذلك لرفض الناس التخلي عن ضريح جدهم أو شيخهم والسكن بجوار ضريح شيخ آخر.

          وتسور بعض القبور بالأسلاك الحديدية وتكتب عليها بعض المعلومات عن الشخص المتوفى، وتوضع أيضاً الشواهد حول طرفي القبر وهي إما من الطوب الأحمر أو الحجر حيث يكتب عليها اسم المتوفي وتاريخ وفاته. كما تغطي حفرة ود اللحد التي يوضع داخلها المتوفى بالطوب اللين لاعتقاد الناس أن داخل القبر ساخن والحجارة والأسمنت تجذب السخانة. ويستعاض أحياناً عن الشواهد الطوبية بالأخرى المصنوعة من الرخام. أو لافتات الحديد التي تحمل الكتابة عن المتوفى. وعادة ما توضع مجموعة من الأزيار التي تملأ بالماء وتسمي سبيل ليشرب منها الناس المارة لزيادة حسنات المتوفى. كما تبني مظلات في المواقف العامة ومحطات البصات لتستخدم كوقف تيمنا بأرواح الموتى. وهناك مبان تجارية كثيرة تسمي بالأوقاف التي يتمني الناس أن يذهب أجرها للمتوفى الذي يتبرع بها للأوقاف قبل وفاته أو يتبرع بها ذووه أو الأماكن التي لا يعرف مالكيها. كما تبني حول أماكن دفن الموتى التي تعرف بالمقابر مبان خاصة بالوضوء وشرب الماي تسمي بالجبانة. وهناك أشخاص وشركات يقومون بحفر القبور الجاهزة تبرعاً منهم ليدفن فيها الموتى. وهو شكل من أشكال عمل الخير والفضيلة. ويصف السودانيون الموضوعات غير المرئية والتي يتصرف حيالها الناس كل بطريقته الخاصة بقولهم: " جبانة هايصة " ذلك تشبيهاً لتلك الموضوعات بحالة الناس واضطرابهم عند بلوغهم خبر مفاجئ كوفاة شخص عزيز عليهم مثلا. وتعتبر المقابر أماكن مقدسة. ويمنع تلويثها بالنجاسة أو بناء المتاجر حولها. كما لا يحبذ السير بينها أو شقها بالطرق والممرات. ذلك تقديرا لأرواح الموتى وتأكيداً على الإيمان بأن الموت حق والحياة باطلة. ويطلب من المسلمين ترديد الأدعية الطيبة عند مرورهم بجوارها.

          وكل هذه البنايات هي عبارة في الأساس عن راكوبة مغطاة من أعلى أو من الجوانب وإن اختلفت أشكالها أو المواد المستخدمة في بنائها وصنعها.

     


تطور أشكال العمارة التقليدية للراكوبة

 

          ورد في قاموس اللهجة العامية في السودان للبروفيسور عون الشريف قاسم أن كلمة راكوبة مشتقة من ركب الشيء كما يقال في عامية أهل السودان بمعني وضع بعضه على بعض ومن ذلك الراكوبة. وهي بناء من أعمدة خشبية أمام واجهة البيت مسقوفة بقش (1). ويقول محمد بن أبي بكر الرازي في مختار الصحاح " الراكوبة أو الركوبة بفتح الراء فيها ما يركب. فالراكوبة إذن هي بناء من مواد توضع أي تركب فوق بعضها البعض. وهي عبارة عن مظلة تبني أساسا من مواد غير ثابتة مثل الحطب وسيقان الذرة أو الدخن أو الأعشاب الجافة كالتبن وأم دفوفو والبنو والمحريب وأم حميرون والحصير وفروع النخيل والدوم والقنا وغيرها. وهي جزء هام في مباني العمارة السودانية التقليدية. كما أنها تبني بأحجام متفاوتة وتشغل مساحات مختلفة من خارطة البيت السوداني، وتحتل مواقع محددة فيه. وأصغر حجم للراكوبة يقوم على أربعة أعمدة تعرف بالشعب ومفردها شعبة بكسر الشين وتسمي الركائز ومفردها ركيزة، وتوضع على هذه الركائز أربعة أعمدة تربط مع الشعب في مكان ركابها وتسمي بالعواريض ومفردها عراضة أي متعارضة. كما توضع على هذه العواريض أعمدة أخري وتربط عليها في أطرافها وعند تقاطعها وتعرف بالرصاص نسبة لوضعها متراصة فوق وجوار بعضها البعض. أو الحطب الصباب نظرا لاستقامتها. وهي أشبه بالمروق التي تثبت عليها سقوف المنازل. ويغطي سقف الراكوبة المكون من سيقان الذرة أو الدخن أو الأعشاب الجافة الأخرى ويثبت بأعمدة توضع فوقه تسمي المطارق ومفردها مطرق. وهي عبارة عن فروع رقيقة وطويلة وتربط بالحبال أو السعف من خلال السقف مع أعمدة الرصاص.

          أما في حالة الحاجة إلى بناء الراكوبة بحجم أكبر، فيزداد عدد الشعب والمواد الأخرى الخاصة بسقفها. فتضاف الشعب وتوضع في المنطقة الواقعة في وسط الراكوبة وتكون متراصة على امتدادها لتسند السقف وتحمية من السقوط. كما تترك مسافات مناسبة بينها. هذا وقد يكون هناك صفان متراصان من هذه الشعب. وقد تغطي جوانب الراكوبة أحيانا وتترك فيها فتحة تستخدم كباب أو مدخل. وتوظف الراكوبة لخدمة أغراض عدة. فهي أولا أحد متطلبات منزل العريس والعروس. ففي الريف السوداني مثلا يطالب العريس ببناء قطية خاصته أو أوضة (غرفة) من الجالوص (الطوب اللبن) أو الطوب الأحمر لاستقبال عروسته وبناء راكوبة أمامها أو بجوارها. ويستفاد منها ثانيا كمطبخ أو مضيفة للضيوف سواء من أفراد أسرتيهما أم القادمين من خارجها. وعادة ما تبقي الراكوبة بجوار مدخل أي منزل وتستخدم كديوان أو مضيفة للأسرة. كما تبني راكوبة كبيرة في منتصف القرية أو في مكان مناسب آخر وتلحق بها خلوة (مدرسة تحفيظ القرآن). وتستخدم كذلك كمسجد ومضيفة يقصد أي منهما كل ضيف قادم إلى تلك القرية. ويطلق السودانيون أسماء عديدة للراكوبة. منها اللقدابة والعلية والكشاشة والضرا وأم شعيليبة وأم ضليلو والكرقة والهبابة والشكابة. وتطلق عليها القبائل السودانية أسماء عدة فالنوبة الترة يسمون الراكوبة المنزلية أرده، لدي الهوس قدوة والبرنو كموه والنوبة التورو لورو والمحس كري والنوبة النمانق يسمون الراكوبة المنزلية كوي وراكوبة العمد والأعيان فودي. ويتميز ذلك من الاسماء وفقا للهجات واللغات السودانية المختلفة كما سيتضح لاحقا من النماذج المذكورة. 

 

الناحية الوظيفية وأثرها علي عمارة الراكوبة


          هناك عدة فوائد للراكوبة. لذلك فهي غالبا ما نجدها تتخذ شكلا معماريا يتناسب وطبيعة استغلالها. كما أن اسمها كثيرا ما يدل على وظيفتها. فالراكوبة المنزلية أي تلك الملحقة بالبناءات المنزلية سواء بنيت أمامها أم بجوارها نجدها تستخدم في عدة أغراض. فهي قد تكون مظلة وتتخذ كظل ظليل وفي ذات الوقت منامة ومضيفة ومكانا لغسيل الأواني ونظافة الملابس وطهي الطعام. وهذه جميعها استخدامات داخلية. وقد ارتبطت بالراكوبة بعض المصنوعات اليدوية التي تستخدم في حفظ الأطعمة كالشرموط (اللحم المجفف) مثلا وتعلق بداخلها بعض المصنوعات الثمينة حتى لا تصلها القطط والكلاب والفئران. من ذلك المشلعيب أو الكابدلو والذي يعرف أيضا بدوا كديس. وهو عبارة عن سلة تصنع من الحبال وتوضع بداخلها قرعة (يقطين) أو ريكة (أناء حامل) أو قدح (صحن بلدي) وتحفظ بداخلها الأطعمة. والراكوبة يقصدها الأطفال ليلعبوا تحت ظلها أو يتسلقوا على أعمدتها وشعبها.

          وقد ارتبطت الراكوبة في أذهان بعض الناس بالتربية التقليدية التي تعتمد الجلد كعقوبة ناجحة بالنسبة للأطفال. إذ يعلق الطفل من كلتا رجليه على أحد مروق الراكوبة ويترك رأسه متدليا ويضرب بالفلقة أو سوط العنج ضربا مبرحا حتى لا يقوم بتكرار ما ارتكب من جرم أو خطأ جسيم. وتعلق في سقف الراكوبة من الداخل سنابل الذرة والدخن وعيش الريف وثمار البامية الجافة والكركدي وغيرها والتي تحفظ بها كتقاوي. هذا بجانب حب البطيخ والتبش. ومن أهم الرواكيب المنزلية هي راكوبة الجدة أي الحبوبة وهي المكان الذي يتجمع فيه الأطفال كل ليلة بعد قضاء واجباتهم وتناولهم لوجبة العشاء. وتمتاز بما فيها من منافع وهدايا تقدم لهم حيث يتسابقون إليها ليحجز كل منهم مكانه في شوق إلي الاستماع إلى الأحاجي التي تحكيها الجدة إليهم والتي تحمل العديد من القضايا التعليمية والتربوية والتفسيرية للكون وظواهره الغريبة المبهمة بالنسبة إليهم. هذا بجانب الترفيه وتقضية وقت الفراغ وهو ما يعرف بالسمر أو التعليلة. وقد عبر عن ذلك الشاعر سفيان عمر في قصيدته لوحات القناعة في قوله (3) الذي شرح فيه الراكوبة وذكر مكوناتها. خاصة وقد اتخذ منها رمزاً لطرح افكاره ورؤاه الحياتية كما سيرد لاحقا.

          أما من الناحية الخارجية للراكوبة. فيستفاد فيها من السقف وذلك في وضع الأمتعة. وقد تزرع بجوار الشعب والأعمدة بعض النباتات المتسلقة لتغطي سقفها مثل البطيخ الذي يعرف بأم علالي نسبة للعلية أى الراكوبة أو أم لقاديب نظرا لأنه ينتج ثماره التي تكبر فوق سقف اللقدابة أي الراكوبة. وهذا النوع من البطيخ عادة ما ينتج ثمارا قليلة قد لا تتعدي الثلاث ثمرات. غير أنها أي ثمرة البطيخة تكون بأحجام كبيرة بدرجة يصعب لشخص واحد حملها بمفرده. ويكون لبها أحمرا وطعمها لذيذا وبذورها سوداء وكبيرة وتصنع منها بليلة تسمي الجبين جبين بكسر الجيم والباء مع الإمالة في حرف الياء. وهي تتم بإضافة كمية من الدخن لقطعة أو قطعتين من لب البطيخ وتوضع جميعها في إناء وتغطي وتترك لكي تغلي حتى تنضج بمائها فتتحول إلى ما يشبه العجين أو مديدة النشاء كما يقال في السودان. وتقدم للأطفال في صبيحة اليوم التالي حيث أنهم يسعدون لتناولها قبل الشاي والذهاب للعمل أو المدرسة. وقد تزرع بجوار راكوبة المنزل أنواع أخرى من النباتات المتسلقة بغرض تكثيف ظلها كالإيير بكسر الياء الأول وإمالة ياء المد، والذي تجف أوراقه ويستفاد منها في الطبخ كبديل للويكة (البامية المجففة) في صنع ملاح (ادام) أخضر اللون شهي المذاق به بعض المرارة (الطعم المر) وتملح به العصيدة أو اللقمة. ويزرع كذلك نبات أم بلو المتسلق وهو من فصيلة (القرع أي اليقطين) والذي ينتج ثمارا أشبه بالخس والتي تجني وهي مخضرة أي قبل أن تجف قشرتها، فتسلق (تغلي) في الماء الساخن وتؤكل ولها طعم حلو لذيذ. وقد يزرع أيضا نبات الليفة والذي تغطي بذوره طبقة قشرة رفيعة شبه صلبة بداخلها طبقة أخرى من الألياف تكون في شكل نسيج متشابك تستخدم في دلك الجسد عند الاستحمام. هذا ويزرع أيضا نبات العنب الذي تغطي فروعه وأوراقه سقف الراكوبة وتتدلي منها ثماره المعسولة في شكل ثبائط. وقد استشهد أحد شعراء الأغنية السودانية بشجرة العنب ليؤكد لمحبوبته صدق مشاعره تجاهها وهي الأغنية التي غناها الفنان المطرب التاج مكي في قوله:

                              لو مكذبنا                   وماك مصدقنا

                              أسال العنبة                 الرامية فوق بيتنا

                              خائنة يا دنيا                رايحة يا دنيا (4)

          ويقول الشاعر السوداني الرشيد آدم الرشيد في إحدى قصائده التي يمدح فيها جمال جبل مرة وطبيعته الخلابة وهي تشحذ همة الإنسان المسافر ليشاهد حلاوة شجر الليف المخضر وهو يتسلق الراكوبة التي يعتز ببنائها الفور في ديارهم ومنازلهم بصورة يرق لها قلب من يشاهدها في أبياته التي يغنيها المطرب عمر برنو (احساس) القائلة:

                              جبل مرة غيمة ابتنادي

                              فرحانة ابتنادي المسافر

                              العدا ماشي غادي

                              عرق الليف حلاته في الراكوبة

                              بريدها دارهم وشفنا الفور في دارهم

                              حنا وقلبي دارهم

          وقد ينمو أحيانا نبات الشعلوب المتسلق في إحدى أركان الراكوبة. أو يزرع بغرض تكثيف ظلها ولذلك تسمي الركوبة أم شعليبة. كما تزرع كذلك بعض الخضروات المفيدة كالعجور والقرع مثلا. وذلك لكي لا تفتك بها الآفات (وهنالك منطقة في جنوب دار فور بين نيالا وتلس تسمي الجامع أبو عجورة. ذلك نسبة لمنظر نبات العجور الذي يزرع بجوار المسجد المبني من راكوبة كبيرة فيغطيها. ولذلك سميت المنطقة باسمه المأخوذ من منظره المخضر الذي يبدو للعيان من مسافة بعيدة.

          كما يوجد نوع آخر من الرواكيب يتراوح ارتفاعه ما بين المتر ونصف المتر ويسمي الراكوبة الشرارة. وهذا النوع المنخفض الارتفاع من الرواكيب توضع فوقه بعض المأكولات بغرض تجفيفها وحتى لا تصلها جيوش النمل والدجاج. من ذلك مثلا الدامرقة وهي الدخن أو الذرة المخمرة لإزالة قشرتها ثم يتم طحنها بعد أن تجف وتصنع منها الكسرة الرهيفة المسماة القرقريبة والكسرة السميكة العسلة التي تأكل احيانا مجففة خاصة في السفر والابرى أو الحلو مر أو القراصة بعد اضافة دقيق القمح والعصيدة. وترد في أمثالهم الشعبية في قولهم " كنفوتنا (قشرة حبة الذرة أو الدخن) ولا دامرقة ناس " والذي يعني أن يعتز الإنسان بما يملك وإن كانت قيمته ضعيفة أفضل له بدلا عن التطلع إلى ما يملكه الغير وإن كان أكثر قيمة وأكبر فائدة. ويشر (ينشر ويعرض للشمس) فوق هذا النوع من الراكوبة أيضا الفول المركب (المسلوق) بضم الميم وفتح الراء مع تشديد الكاف سواء ما يعرف بفول أبو ندهن والمعروف بأبي صليبات وهو الفول السوداني الذي يستخرج منه زيت الطعام والأمباز عن طريق عصارة الجمل التقليدية أو مصانع الزيوت، أو فول أبو نقوي ذو القشرة القوية الصلبة عندما تجف. كذلك الفول المدمس المعروف بفول الحاجات والذي تغلي بذوره المقشورة في ماء مالح وتمسح بالرماد الناعم قبل جفافها مسحا كاملا فتصير شهية الطعم ويصنع منه الفول المدمس وهو ما يعرف بالعفوص. والعفوص عبارة عن سلطة مضاف إليها الفول المدمس المسحون. وكلمة عفوص من يعفص الشيء أي يضغط عليه ويعجنه باليد. وتسمي هذه الأكلة أحيانا بالدفلى مع كسر الدال والفاء واللام المشددة المجرورة وهي أكلة محببة لدي عامة السودانيين وتمثل نمطا أصيلا في ثقافتهم. وهي اكلة شعبية سودانية منتشرة في كل بقاعه وهي خير مثال لثقافته وذلك خلافا لما ذكره أحد المصريين الذي نسبها إلى الأغذية الشعبية المصرية في محاولة للتدليل علي أن مجتمع حلايب السودانية مجتمع مصري. وكلمة دفلي مرادفة لكلمة سداري والمعني التحرك فجأة وبسرعة فائقة دون مراعاة لأي نوع من المخاطر. وهي من مفردات شريحة سائقي اللواري التجارية. وقد سميت الأكلة بذلك لسهولة إعدادها وإمكانية التهامها بسرعة وبدون أي تردد أو حتى البحث في طعمها أو مكوناتها. فهي شهية ومستساغة ويبدو أنها مغذية وتبقي في المعدة لمدة طويلة.

          كما يستخدم المدمس أيضا في صناعة ما يعرف بالدمسورو أو الخميس تويرة وذلك بسحنه مع الكسرة العسلة المجففة على نفس الراكوبة والتي تصنع مما يعرف بالزراع بضم الزال وفتح الراء المشددة أو الزريع بكسر الزال والراء وهي الذرة أو الدخن المبلولة في الماء البارد بعد تركها في إناء مقفول بإحكام تام لمدة ثلاثة أيام حتى تزرع أي تخرج جذورا رفيعة في محاولة للإنبات داخل الإناء. ويستخدم كذلك الماروق المسحون وهو عبارة عن تقطيع العصيدة في شكل لقم كبيرة ووضعها لتجف على ذات الراكوبة القصيرة وتسحن مع الفول المدمس. أو كأن يضاف إلى المدمس المسحون مع الكسرة أو الماروق المعروف بالقنقو وهو الشيط (بقايا العصيدة بسطح إناء الطبخ). وتضاف إلى ذلك بعض البهارات ويخلط المسحون مع كمية من السكر وقليل من الشطة والملح ويستخدم كزاد للشخص الخاطر (المسافر). وذلك باعتبار مخاطر (صعوبات ومشاكل) السفر.  ومنها المخطار أو المخطر بضم الميم أي السفر وذلك كأن يقال مثلا ناس فلان خاطرين أي مسافرين. ويوكل الدمسوروعادة بإضافة ماء اليه مع ملاحظة أنه يحتسي أكبر كمية منه. بالتالي فإن كميته تزداد كلما صب فيه الماء. والخميس تويرة أو الدمسورو يعرفه تلاميذ المدارس خاصة أولئك الذين كانوا يدرسون في مدارس بعيدة عن منازلهم وقراهم ويسكنون الداخليات التي يستوعب فيها مثل هؤلاء الطلاب في فترة الستينات وربما حتى منتصف السبعينات أي قبل المتغيرات الحديثة التي أصابت ذلك النظام من التعليم في مقتل مما أدي إلى تجفيف الداخليات وتحويل مدارس الداخليات إلى مدارس خارجية. علما بأنه لولا تلك الداخليات لما استطاع الكثيرون من يشغلون مراكز هامة في الدولة والمجتمع الآن من التدرج في تعليمهم حتى تخرجوا من الجامعات والمعاهد العليا ونال بعضهم الدرجات العليا كالماجستير والدكتوراه. والله يصبرك يا زمان ليكون التعليم مجاني والعلاج مجاني وتعود الإعانات المدرسية لأبناء الفقراء والداخليات حتى يتمكنوا من مواصلة تعليمهم.

          ونجد راكوبة ست الشاي ومظلة أزيار السبيل ومظلة المرحوم وراكوبة الزرع وراكوبة القبانة والجباية الضريرية وراكوبة منظف السمك وغيرها كثر. ويقول السودانيون: " اشوتك (اركلك) كده أوديك أيكة أم راكوبة " وذلك للمبالغة في قوة الركلة بالأرجل. وأيكة منطقة بعيدة جداً وفيها راكوبة تعرف بها. كما إن الأيكة هي الغابة الظليلة.

          والراكوبة الشرارة محببة بالنسبة للدجاج والطير حيث نجده يتجمع ويدور حولها محاولا القفز عليها والتقاط أكبر قدر من المواد المشرورة فوقها. وفي زمن قياسي قبل أن يبعد عنها بصرخة أو رمية بعصا صغيرة تسمي بالحاحاية أي طاردة الطير والدجاج. ولذلك تسمي هذه الراكوبة بالحاحاية.

          أما الأسواق الأسبوعية المنتشرة في الريف السوداني فتبني فيها الرواكيب وهي عبارة عن دكاكين مؤقتة كما تبني في أحد أطرافها رواكيب شرارة وتشعل تحتها النار الملتهبة لتشوي فوقها لحوم الذبائح المعروضة للبيع من قبل الجزارين. وتعرف الشواءات بالمناصيص ومفردها منصاص. وتجلس بجوار هذه الرواكيب بائعات الدقة (الشطة المسحونة) والليمون والبصل الأخضر والكسرة والغريبة والمنون. هذا بالإضافة إلى بائعي الخضار. وهناك أسواق أسبوعية وأخري ثابتة اشتهرت بمثل هذه الرواكيب المستخدمة كشوايات هي منواشي الواقعة في الطريق التي تربط بين مدينتي نيالا عاصمة جنوب دار فور والفاشر عاصمة شمال دار فور وكذلك مصيف رجاج في أقصي جنوب دار فور والتي يعد سوقها من أكبر أسواق الماشية في ولايات دار فور. هذا بالإضافة إلى سوق كورما في غرب الفاشر وسوق الناقة فى سوق ليبيا وابو زيد بأم درمان. وتشبه شواءات الراكوبة أي المناصيص بالشية السلات في شرق السودان حيث يتم الشواء باستخدام الحجارة الموضوعة على الجمر أو تلك الطريقة الشائعة في مناطق السودان الأخرى وهي تعرف بشية الجمر.

          والراكوبة كعمارة تقليدية مؤقتة يتخذ منها الناس بيوتا في أماكن بيع الفحم وحطب الوقود وتسمي بزرائب (حظائر) الفحم أو الحطب والتي يباع ويشتري فيها أيضاً حطب الشاف (نوع من الشجر) أو الدخان. والذي تستخدمه النساء المتزوجات فيما يعرف بحفرة الدخان التي تؤقدها الزوجة وتجلس عليها وتهيئ نفسها لزوجها بعد أن تدلك جسمها بالدلكة وتتعطر بعطر المجموع أو الكبريه. ويقال عنها مكبرته. وتنشر في حجرنها بخور الصندل. وهي من العادات الشائعة والمميزة للنساء السودانيات. كما يعرض في زرائب الحطب حطب الطلح (نوع من الأشجار) ويسمي حطب الشقيق. والذي يستخدم كعلاج لأمراض الروماتيزم بما يشبه العلاج الطبيعي أو الدلك بالكهرباء. وشبيه بزرائب الحطب زرائب اللبن حيث توجد رواكيب بائعي اللبن الطازج الذين يسكنون فيها بجوار أبقارهم.

          وتبني الرواكيب في المحطات ومواقف العربات على امتداد الطرق السفرية الطويلة. حيث ينام فيها المسافرون ويوفر لهم أصحابها العناقريب والبروش ومياه الشرب والوضوء والشاي وبعض الأطعمة. وهنالك منطقة في طريق أم درمان تسمي بالراكوبة توجد بها راكوية لاستضافة اللوارى والمسافرين بها أكثر من مائة عمود غزاز اى مروق وشعب. وهي تقع في طريق يعد من أشهر الطرق السفرية في الاتجاه الغربي من الخرطوم عاصمة السودان.

          هذا وتعتبر الرواكيب هي المباني الأساسية التي قامت عليها معظم الأحياء الحديثة في مدن السودان والتي تعرف قبل مسحها وتخطيها وإدراجها في خرائط الدولة الإسكانية بالسكن العشوائي أو السكن غير المخطط. وقد نشأت كذلك معظم الأسواق الجديدة في العديد من المدن والأحياء السكنية من الرواكيب. وظلت تستخدم إلى أن تم تحويلها من رواكيب إلى دكاكين ومتاجر مبنية بالمواد الثابتة بعد إزالة تلك الرواكيب. وهنالك حي في مدينة أم بده (أم درمان الجديدة) يسمي بالرواكيب رغم إزالة كل الرواكيب التي كانت في السابق عبارة عن مساكن عير مخططة (عشوائية). وأم بده مأخوذة من اسم زعيم العرب الزيادية وقائدهم الحربي الذي قدم على رأسهم في هجرتهم الجهادية من غرب السودان إلي أم درمان لمناصرة الخليفة عبد الله. واستقر بنحاسه في غربها ومن ثم عرفت المنطقة باسمه.

          وهنالك نوع آخر من الرواكيب وهو عبارة عن مظلة تبني في واجهة الحجرة أو الدكان. وهذا النوع منتشر بصفة خاصة في وسط السودان وفي منطقة الجزيرة بالذات. وهو عبارة عن سقف بلدي منحدر يثبت في أعلى واجهة المبني ويمتد إلى أسفل. ويثبت طرفه الأسفل على شعب أو ركائز كبيرة. ويغطي سقفه إما بالمواد التقليدية أو الزنك أو شرائح الصفيح. وقد أزيلت الرواكيب في الأسواق الكبيرة في المدن وشبه المدن أو حتى القرى النموذجية التي شملها التخطيط العمراني. ونجد في كثير من المباني العمارة السكنية والديوانية والتعليمية والدينية ما يعرف بالبرندات. وهي عبارة عن رواكيب ليس إلا. كما قد تطورت الراكوبة مع تطور العمارة السودانية الحديثة والمعاصرة وبدأت تأخذ أشكالاً جديدة. وبدأ الناس يتفننون في تصميماتها حتى تتواءم مع أشكال البناء الحديث. ونلحظ هذا التغيير وبصفة خاصة في مواد البناء حيث أدخلت خامات حديثة مثل المشمعات والبربيت وألواح الخشب وشرائح النايلون الملونة ومواسير الحديد وغيرها. الأمر الذي اقتضي استخدام التكنولوجيا الحديثة في بنائها كماكينات اللحام وأسلاك الحديد مثلا. غير أن هيكلها بصورة عامة ما زالت ثابتة وإن بدأت تجري عليها بعض التحويرات وإدخال بعض الأشكال الهندسية الجديدة خاصة في مجال السقف. كما أصبحت لها استخدامات جديدة. حيث تزين بها مداخل البيوت والكافتيرهات والمطاعم وسطوح المباني المكونة من طوابق عدة. كما تبني كمظلة فوق أماكن السبيل (المزيرة) وأوقاف المتوفين مثلاً.

          بالتالي ومع تطور العمار السكنية في السودان والذي تبعه تطور ملحوظ في تكنولوجيا البناء وخارطة المنزل والتي احتفظ كل جزء منها بوظيفته الاجتماعية والثقافية والدينية. فقد تحولت الراكوبة إلى ما يعرف بالديوان أو الصالون. والذي صار جزءاً هاماً في خارطة البيوت العادية. ويستخدم ليؤدي نفس الوظيفة التي كانت تؤديها راكوبة المنزل. أما بالنسبة للعمارة الدينية فبعد بناء المساجد والكنائس ودور العبادة بالمباني الثابتة أصبحت تحاط بالمظلات المعروشة بالزنك وهي عبارة عن رواكيب كبيرة مبنية بمواد ثابتة ايضا بدلا عن المواد المحلية. وصارت تأخذ شكلها الثابت المعين.

 

          عليه تعتبر الراكوبة هي الأساس في تطور هيكل العمارة السودانية الحديثة والمعاصرة. فالحجرة ما هي إلا راكوبة مبنية بالمواد الثابتة بدلاً عن الخامات المحلية. كذلك فإن هياكل المباني المكونة من طوابق تقوم فكرتها الأساسية على شكل الراكوبة بدءاً من أعمدة الأسمنت مروراً بسدابات البناء وانتهاء بالغرف والبلكونات والصالات التي تتوسطها. وهي كما يقول شاعر الغبش:

 

                              الماشي سلم على البنريدة (محبوبتنا)

                              قول ليها الوليد صايده (اصابته) حمة شديدة

                              إن بقت ما رجتك (لم تنتظرك) جيب لي سبيحة في ايده

                              في الدانقة (الحجرة) أم شبك تلقاها جادعة وريدة

 

 

 

د. سليمان يحي محمد

من كتاب: الراكوبة في الفلكلور السوداني


عن الكاتب

Alghaly Yousif مهندس مدني محترف عمل في مختلف مجالات الهندسة المدنية من بناء مجمعات سكنية وطرق وغيرها إلي تشييد السدود و الخزانات

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

تجارب مهنية