تجارب مهنية

نهتم بمواضيع متعددة كالهندسة و العقارات و البيئة و مواضيع أخرى عامة , نأمل متابعتكم و مقترحاتكم لكي نستمر في التطور و التحسين على الدوام.

recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أترك تعليقك و رأيك الذي يضيف إلينا و نتعلم منه و نتطور

تسوية منازاعات أعمال الهندسة المدنية

 

تسوية منازاعات أعمال الهندسة المدنية 

تسوية منازاعات أعمال الهندسة المدنية


تعتبر الشروط العامة للفيديك (FIDIC)(1) الخاصة بعقد أعمال إنشاءات الهندسة المدنية(2)، من أكثر الشروط انتشارا في عقود مقاولة الإنشاءات، وشاع انتشارها في مختلف الدول ومن ضمنها الدول العربية. ومن هذه الشروط طبعة سنة 1987 التي لا زالت مطبقة في العديد من العقود في الدول العربية. وتعالج الشروط العامة الأخيرة التزامات وحقوق كل من مقاول البناء وصاحب العمل بما في ذلك الأحكام الخاصة بالمهندس المشرف على البناء، والذي يتم تعيينه من قبل صاحب العمل. ومن بين الأحكام الواردة في هذه الشروط حكم خاص بتسوية المنازعات بين صاحب العمل والمقاول ( المادة 67)، وهو ما نبحثه في ورقة العمل هذه في بندين(3): الأول ونعالج فيه التسوية الودية، والثاني ونبحث فيه التحكيم. 

البند الأول: التسوية الودية

أولا: المقصود بالنزاع

يقصد بالنزاع حسب الشروط العامة أي خلاف ما بين صاحب العمل والمقاول ناجم عن العلاقة بينهما، والتي أساسها عقد المقاولة بحيث يكون موضوع الخلاف مطالبة أحدهما للآخر بحق مالي معين. ويقصد بالحق المالي هنا أي حق يتم تقويمه من حيث النتيجة بالمال. وكثيرا ما تكون المطالبة خاصة بمبلغ من النقود، ولكن من الممكن ان يكون موضوعها تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا.

ومثال هذه المنازعات ان يطالب المقاول (أ) رب العمل (ب) بان يدفع الأخير له مستحقاته الشهرية عن الأعمال المنجزة، أو لا يقوم (أ) ببناء سور حول الإنشاءات خلافا للعقد، فيطلب منه (ب) بناء هذا السور، أو يبني (ب) السور بصورة مخالفة للمواصفات، فيطلب منه (ب) هدم السور وإعادة بنائه حسب أحكام العقد. بل قد يكون أسلوب تسوية المنازعات بحد ذاته موضع خلاف بين الفريقين. ومثال ذلك ان ينص عقد المقاولة بين (أ) و(ب) على تسوية أي نزاع بينهما عن طريق التحكيم، فيقع الخلاف فعلا، ولكن يلجأ صاحب المصلحة (أ مثلا) إلى القضاء لتسوية هذا النزاع، فينازعه (ب) في ذلك أمام القضاء طالبا اللجوء إلى التحكيم بدلا من القضاء.

وقد يتعلق النزاع بتفسير حكم من أحكام العقد. ومثال ذلك ان ينص العقد على وجوب تقديم كفالة حسن تنفيذ من جانب المقاول لصالح صاحب العمل، دون بيان ما إذا كانت هذه الكفالة مصرفية أم غير ذلك. وفي الوقت الذي يقدم المقاول كفالة شخصية من كفيل ملئ، ينازعه صاحب العمل في ذلك مطالبا بكفالة مصرفية أو نقدية. ومثال ذلك أيضا ان المادة (69/1/أ) من الشروط العامة تنص على انه في حال تقصير صاحب العمل في دفع أي فاتورة شهرية خلال الـ (28) يوما التالية لانتهاء المدة التي كان يجب ان يتم الدفع خلالها، فانه ينشأ للمقاول عدة حقوق من ضمنها حقه بإرسال إخطار بإنهاء العقد لصاحب العمل. في هذا المثال قد ينشأ خلاف بين الفريقين حول المقصود بمصطلح "تقصير" صاحب العمل، وما يعتبر من هذا القبيل وما لا يعتبر. كما قد ينشأ خلاف بينهما حول أسلوب توجيه الإخطار، هل يتوجب ان يكون عن طريق الكاتب العدل؟ أم يمكن ان يكون بإشعار بواسطة البريد الإلكتروني مثلا؟!

ويستوي في النزاع ان يكون قد نشأ أثناء العقد أو بعد اكتمال تنفيذه من جانب المقاول، أو أثناء هذا التنفيذ حتى لو كانت مدة العقد الأصلية قد انتهت. المهم في هذا الشأن ان يكون النزاع مرتبطا بالعقد أو ناشئا عنه أو مرتبطا أو ناشئا عن تنفيذ الأعمال، سواء كان منصوصا عليها في العقد الأصلي أم لا. ومثال الأعمال المنصوص عليها في العقد، تنفيذ المقاول للبناء المتفق عليه، ولكن بصورة مخالفة للمواصفات العقدية. ومثال الأعمال الأخرى، ان ينص العقد على إنشاء بناء دون إشارة إلى بعض الأعمال الخارجية مثل الأسوار وبئر الماء، ومع ذلك يقوم المقاول بتنفيذها. وتشمل المنازعات أيضا ما يمكن ان ينجم من خلاف حول أمر أو شهادة أصدرها المهندس المشرف، أو رفض تصديقها أو قبولها أو استلامها. ومثال ذلك ان يقدر المقاول الأعمال الشهرية المنجزة بمبلغ معين، فيرفض المهندس المصادقة على  الشهادة لسبب أو لاخر، أو يكون موضوع (محل) المقاولة المتفق على إنشائه يقع في منطقة معينة، فيصدر المهندس أمرا تغبيريا يتعلق بمنطقة أخرى فينازعه المقاول بذلك(4).

 

ثانيا: الإحالة للمهندس

فإذا نشأ نزاع بين المقاول وصاحب العمل كما هو منصوص عليه في المادة (67) من الشروط العامة، فانه يجب محاولة تسوية النزاع عن طريق المهندس أولا. ويتم ذلك بموجب خطاب (خطي) يوجهه صاحب الشأن للمهندس يعرض له فيه وقائع النزاع وظروفه، ويطلب من المهندس ان يبدي رأيه في النزاع، مع صورة من هذا الكتاب للطرف الآخر. ويجب ان تتم الإشارة في الكتاب الخطي إلى المادة (67) من الشروط العامة والتي تمت بموجبها إحالة النزاع للمهندس. ويقصد المهندس الشخص الذي يعينه صاحب العمل ويشعر المقاول باسمه ليشرف على تنفيذ البناء ومتابعة المقاول بشأنه. ويجوز ان يكون المهندس شخصا طبيعيا كما يجوز ان يكون اعتباريا. بل يمكن ان يكون المهندس هو صاحب العمل نفسه. ويحدث ذلك كثيرا في الحياة العملية حيث يكون صاحب العمل مثلا إحدى الشركات الكبيرة التي يوجد فيها قسم فني أو هندسي، فتتولى هي نفسها الإشراف على تنفيذ عقد المقاولة.

وهنا تبرز مسألة هامة بشان وجوب إحالة النزاع إلى المهندس قبل اللجوء لأي طريق آخر لتسوية هذا النزاع. والمشكلة هنا هي ان المهندس اما انه معين من صاحب العمل أو هو نفسه صاحب العمل. وفي كلتا الحالتين، يفترض ان صاحب العمل ينازع المقاول في طلباته، ومع ذلك يجب ان يحال النزاع له نفسه لبيان رأيه فيه بصفته مهندسا وليس صاحب العمل. بمعنى ان صاحب العمل هو نفسه الخصم والحكم في آن واحد. وفي ظروف كهذه، ربما يكون صحيحا القول بأنه يندر ان يكون رأي المهندس مخالفا لرأي صاحب العمل.

لذلك، حصل في إحدى القضايا ان لجأ المقاول للقضاء مباشرة للمطالبة بحقوقه ولم يلجأ للمهندس أولا. فأثار صاحب العمل الدفع بان الدعوى سابقة لأوانها لان النزاع لم يعرض على المهندس قبل اللجوء للقضاء. إلا ان المحكمة رفضت هذا الدفع وقالت في هذا الشأن ما يلي(5):   

"ان مهندس المشروع .... هو مستخدم لدى صاحب العمل ويمثله في الإشراف والتنفيذ وينوب عنه. وحيث ان الخلاف مع النائب كالخلاف مع الأصيل في تعيين المسائل الفرعية في عقد المقاولة(6)،

 وهذا الخلاف هو مبرر اللجوء إلى القضاء في ان تتولى المحكمة بتعيين هذه المسائل، كما انه ليس في .... العقد ما يعطي المهندس سلطة الحكم في خلاف كهذا مما يحجب سلطة المحكمة في نظره".

وتجدر الإشارة هنا إلى ان المهندس لا يعتبر محكما لفصل النزاع، وان رأيه غير ملزم لأي من الطرفين، وهو ما سنبينه في وقت لاحق من ورقة العمل هذه.

ويجب على المهندس ان يبت في النزاع المعروض عليه خلال (84) يوما من اليوم التالي لتسلمه الكتاب المتضمن النزاع، وله مطلق الحرية في رأيه الذي قد يكون سلبيا أو إيجابيا سواء بصورة كلية أو جزئية بالنسبة لطلبات موجه الكتاب. فمثلا قد يدعي المقاول في كتابه للمهندس بأنه استحق له في ذمة صاحب العمل مبلغا من المال عن فاتورة شهرية لم يدفعها صاحب العمل، فيطالب بقيمة هذه الفاتورة مع الفوائد. والمهندس في هذا المثال قد يرفض المطالبة كليا، أو يقبلها كليا ويبدي رأيه بان المقاول يستحق كامل المطالبة. وقد يقبل المطالبة بقيمة الفاتورة ويرفض الفوائد. وفي جميع الأحوال، فانه غير ملزم بتسبيب رأيه، كما ان مثل هذا الرأي لا يلزم ايا من صاحب العمل أو المقاول. بل ان المهندس نفسه غير ملزم بالإجابة على الكتاب نهائيا.

وعليه، إذا لم يكن لرأي المهندس قيمة تذكر على هذا النحو، يثور التساؤل عن مدى جدوى إحالة النزاع إلى المهندس قبل اللجوء للقضاء أو التحكيم حسب الأحوال. ونقول في هذا الشأن ان الشروط العامة حاولت كخطوة أولى تسوية النزاع بالطرق الودية التي ربما تغني عن اللجوء لوسيلة أخرى لتسوية النزاع. كما ان رأي المهندس قد يكون مفيدا أمام القضاء، خاصة إذا كان مفصلا ومسببا ما دام ان المهندس شخص فني يفترض فيه انه تعايش يوميا مع المشروع منذ بدايته، وهو على علم ودراية بتفاصيله بل وربما بأدق هذه التفاصيل. وفي الحياة العلمية كثيرا ما تستنير المحكمة أو هيئة التحكيم برأي المهندس بل تأخذ به سواء كان المهندس شاهدا على واقعة معينة، أو بالاستناد لإجابته على طلبات أي من الفريقين.

ومهما يكن من أمر، فان إحالة النزاع إلى المهندس لا تعفي أيا من المقاول وصاحب العمل من الاستمرار في تنفيذ التزاماته إذا كانت هذه الإحالة قد تمت أثناء تنفيذ العقد. فالمقاول عليه ان يستمر بتنفيذ البناء، وعلى صاحب العمل ان يستمر في دفع مستحقات المقاول بشكل خاص. ويستثنى من هذا التنفيذ ثلاث حالات:

 

الأولى: ان يكون قد تم إنهاء العقد بسبب إخلال احدهما به. ومثال ذلك ان لا يدفع صاحب العمل للمقاول إحدى مستحقاته الشهرية، ويطالبه المقاول بذلك ولكن يستمر عدم التنفيذ وتنقضي المهلة المحددة لذلك في العقد، مما يترتب عليه ان يقوم المقاول بإشعار صاحب العمل بإنهاء العقد. في هذه الحالة لا يلزم أي من الطرفين بالاستمرار بتنفيذ التزاماته المستقبلية.

الثانية:       وهي الحالة الخاصة بالدفع بعدم التنفيذ. ففي مثالنا السابق، يستطيع المقاول ان يتوقف عن التنفيذ ما دام صاحب العمل لم يدفع له مستحقاته، كما يستطيع الأخير وقف دفع المستحقات ما دام المقاول متوقفا عن التنفيذ(7).

الثالثة: إذا أنكر أحد الطرفين العقد أو أعلن انه لن يستمر في التنفيذ أو قام بأي تصرف يدل على ذلك repudiation of contract  . في هذه الحالة لا يجبر الطرف الآخر على الاستمرار في التنفيذ من جانبه.

 

وعلى أي حال، فانه يتوجب على المهندس الذي يتسلم طلب النزاع ان يبلغ قراره بشأن النزاع لكل من المقاول وصاحب العمل خلال (84) يوما التالية ليوم تسلمه الطلب، وعليه ان يشير في قراره إلى انه تم اتخاذ هذا القرار بموجب المادة (67) من الشروط العامة والمتعلقة بتسوية المنازعات. وبانقضاء الـ (84) يوما يترتب ما يلي:

1-        إذا اصدر المهندس قراره ورضي به كل من المقاول وصاحب العمل، فعندئذ يكون النزاع قد تمت تسويته بالاتفاق وينتهي الأمر عند هذا الحد.

2-       وإذا لم يصدر المهندس قراره خلال تلك المدة، أو اصدر القرار ولكنه لم يرض به أي من المقاول أو صاحب العمل، فيكون من حق كل منهما ان يخطر الطرف الآخر بأنه سيلجأ للتحكيم لتسوية النزاع، مع إرسال صورة عن الإخطار للمهندس. ويجب إرسال الإخطار قبل اليوم السبعين، من اليوم التالي لتسلم قرار المهندس، أو اليوم التالي لانقضاء مدة الـ (84) يوما المشار إليها أعلاه(8).

وبعد توجيه الإخطار بالتحكيم على النحو المشار إليه، تعطي الشروط فرصة أخرى للأطراف لتسوية نزاعهم وديا خلال مدة (55) يوما التالية ليوم توجيه الإخطار. ويقول النص بأنه يجب على الأطراف محاولة تسوية نزاعهم وديا قبل البدء في التحكيم(9) خلال تلك المدة.

 فإذا انقضت المدة ولم يتم التوصل لاتفاق ودي، يكون بإمكان أي طرف ابتداء من اليوم (56) البدء بإجراءات التحكيم. ويجوز للأطراف الاتفاق على تقصير هذه المدة أو زيادتها.

وفي الحياة العملية، قد يلجأ أحد الطرفين للتحكيم مباشرة دون محاولة التسوية الودية، فيثير الطرف الآخر الدفع بان التحكيم سابق لأوانه لعدم القيام بالمحاولة الودية لتسوية النزاع. وهنا يثور التساؤل فيما إذا كان يتوجب على مركز أو هيئة التحكيم المحال لها النزاع وقف الإجراءات ودعوة الأطراف لمحاولة البدء في التسوية الودية، حتى إذا فشلت المحاولة تستمر إجراءات التحكيم بعد ذلك، ام يرفض هذا الدفع على أساس انه إذا كانت هناك رغبه جدية بالتسوية فيمكن إجراءها في أي وقت خلال التحكيم.

ويبدو لنا في الإجابة على هذا التساؤل بان المسألة اجتهادية قد يختلف الحل فيها باختلاف الظروف المحيطة بكل قضية على حدة. فقد ترى المحكمة أو هيئة التحكيم أو مركز التحكيم المحال له النزاع، بأنه لا جدوى من المفاوضات لتسوية النزاع وديا لاستحالة ذلك مثلا حسب ظروف القضية، فترد هذا الدفع. وقد ترى على العكس من ذلك بان الطرف الآخر الذي أثار الدفع أبدى كل رغبة بحسن نية لتسوية النزاع وديا، فتستجيب للدفع ولا تبدأ الإجراءات إلا بعد استنفاذ محاولة التسوية الودية، أو توقف الإجراءات لهذا الغــرض إذا كــانت الإجــراءات قد بدأت فعلا(10).  

على أي حال يلاحظ على المدد المنصوص عليها في شروط الفيديك قبل اللجوء للتحكيم بانها طويلة نسبيا خاصة في المقاولات الصغيرة، في الوقت الذي فرضت فيه الشروط على الطرفين الاستمرار بالتنفيذ أثناء إجراءات التسوية الودية، مع ما قد يلحقه ذلك من أذى بالنسبة لاحد الطرفين. لذلك، ربما يكون من المفيد الإشارة هنا إلى انه بإمكان المقاول وصاحب العمل الاتفاق على تقصير هذه المدد في الشروط الخاصة بما يكون اكثر ملائمة لهما.

 

البند الثاني: التحكيم

يتم اللجوء للتحكيم وفق شروط الفيديك إذا لم يتم التوصل لاتفاق ودي بين الأطراف بعد استنفاذ طريق التسوية الودية على النحو المشار إليه في البند السابق. وتحيل الشروط الأطراف للتحكيم وفق قواعد غرفة التجارة الدولية في باريس ما لم يتفقوا على غير ذلك، مثل الاتفاق على التحكيم وفق قواعد مركز القاهرة، أو مركز دول الخليج العربية للتحكيم، أو الإحالة للتحكيم غير المؤسسي وفق قواعد لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية (اليونسترال) لسنة 1976(11).

 ونشير فيما يلي لاهم الأحكام الإجرائية وفق قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية المعمول بها اعتبارا من 1/1/1998.

 

اولا:    طلب التحكيم والرد عليه

يبدأ التحكيم في قواعد غرفة التجارة الدولية بطلب تحكيم يتقدم به أحد أطراف العقد للأمانة العامة للغرفة، التي تحيله للطرف الآخر للرد عليه خلال (30) يوما(12). وتستمر إجراءات السير في التحكيم حتى ولو لم يرد المحتكم ضده على طلب التحكيم، إذا وجدت الغرفة بصورة اولية (ظاهرة) بان هناك اتفاق تحكيم يحيل تسوية النزاع وفقا لقواعدها(13).

وللمحتكم ضده ان يرفق مع الرد على الطلب دعوى متقابلة بالإضافة لرده. وفي هذه الحالة يعطى المحتكم (30) يوما قابلة للتمديد للإجابة على تلك الدعوى.

 

ثانيا:   هيئة التحكيم

تعطى قواعد الغرفة للأطراف الحرية بالاتفاق على عدد المحكمين. وفي حال عدم اتفاقهم، يحال النزاع لمحكم واحد ما لم تجد الغرفة ان طبيعة وظروف النزاع تقتضي إحالته لثلاثة محكمين. وفي حال تعيين محكم واحد، للأطراف الاتفاق على تسميته، وفي حال عدم اتفاقهما تتول الغرفة تعيينه. وإذا كان يتوجب إحالة النزاع لثلاثة محكمين يسمى كل طرف محكما عنه، وتعين الغرفة المحكم الثالث الذي يكون رئيسا لهيئة التحكيم، ما لم يتفق الأطراف على إجراءات أخرى لتعيين ذلك المحكم. وبالنسبة للمحكمين المسميين من طرفي النزاع، تتولى الغرفة تثبيت تعيينهما إذا توفرت الشروط المطلوبة فيهما. وإذا اخفق أحد الأطراف بتسمية محكمه تقوم الغرفة بتعيينه.

وقد يكون أطراف النزاع اكثر من طرفين، كان يكونوا مثلا أربعة أطراف (المقاول الأصلي، وصاحب العمل، والمقاول الفرعي، والبنك الممول)، ويحال النزاع لثلاثة محكمين. في هذه الحالة، تعطي قواعد الغرفة الأطراف بان يشكلوا فريقين بحيث يسمى كل فريق محكما عنه. فإذا أخفقوا في ذلك، وفي الوقت ذاته لم يتفقوا على طريق تشكيل هيئة التحكيم، تتولى الغرفة تعيين الثلاثة محكمين (المادة 10).

 

ويجوز لأي من الأطراف الطعن بالمحكم والمطالبة برده وتنحيه عن منصة الحكم. ويقدم مثل هذا الطلب للأمانة العامة للغرفة، ويجب ان يبين فيه الوقائع والأسباب والظروف التي يستند إليها الطلب. ومحكمة التحكيم التابعة للغرفة هي صاحبة القرار بالرد على الطلب سواء بالموافقة أو الرفض، وذلك بعد ان تعطي الطرف الآخر والمحكم المطلوب رده الفرصة للتعليق على طلب الرد (المادة 11).

ويتم تغيير المحكم واستبدال غيره به في حال وفاته أو استقالته أو قبول رده أو بناء على طلب كافة أطراف النزاع، أو إذا اصبح من المتعذر على المحكم الاستمرار بمهمته سواء بحكم الواقع أو القانون، أو لا يقوم بعمله وفق قواعد الغرفة أو خلال المدد المحددة لذلك. وللغرفة صلاحية تعيين المحكم البديل مباشرة، أو بالاستناد إلى الأحكام التي تم بموجبها تعيين المحكم الأصيل بحيث تطبق تلك الأحكام (المادة 12).  


ثالثا:  إجراءات التحكيم

بعد إحالة ملف التحكيم لهيئة التحكيم، يتوجب على الهيئة السير بالإجراءات وإصدار حكمها النهائي خلال ستة اشهر من وقت اعتبار وثيقة "مرجعية هيئة التحكيم" نافذة المفعول كما سنرى بعد قليل. ومن هذه الإجراءات نشير إلى المسائل المتعلقة بمكان ولغة التحكيم، والقانون الواجب التطبيق على النزاع، ووثيقة مرجعية هيئة التحكيم، والإجراءات الوقتية والتحفظية.

 

1-    مكان التحكيم

يتم تحديد مكان التحكيم باتفاق الأطراف. وفي حال عدم اتفاقهم تحدده محكمة التحكيم وليس هيئة التحكيم. ومع ذلك يجوز للهيئة عقد جلسات مرافعات في أي مكان آخر تراه مناسبا وذلك بعد مشاورات مع أطراف النزاع ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك، أي على عدم جواز عقد أي جلسة في غير مكان التحكيم (المادة 14). وفي واقع الأمر، قد تكون هناك ظروف تستدعي أو ترى الهيئة انه من المناسب عقد جلسة أو اكثر في غير مكان التحكيم للاستماع لشاهد مثلا ، أو لإجراء الكشف على أمر أو مسالة معينة في مكان آخر، مع عقد الاجتماع في ذلك المكان، أو لمناقشة خبير أو شاهد لا يريد أو لا يستطيع الذهاب لمكان التحكيم لسبب أو لاخر، مثل عدم منحه فيزا من الدولة المعينة. وما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، فانه يجوز عقد الاجتماع في ذلك المكان.

ومن جهة أخرى، فانه يجوز لهيئة التحكيم المداولة في أي مكان آخر غير مكان التحكيم وفق ما تراه مناسبا. وهذه القاعدة تتعلق بمداولات الهيئة تمهيدا لإصدار القرار. وقد تكون المداولات قبل إصدار القرار أو في أي وقت قبله. وهذه من صلاحيات هيئة التحكيم ويندر ان يتفق الأطراف على غير ذلك. بل يمكن القول ان هذه المسالة خاصة بالهيئة وليس للأطراف الاتفاق على خلافها.

 

2-  قواعد الإجراءات

تطبق على إجراءات التحكيم قواعد الغرفة وفي حال سكوت هذه القواعد، تطبق القواعد التي اتبعها الأطراف واتفقوا عليها، كان يتفق الأطراف على ان تتم التبليغات بواسطة الفاكس والبريد الإلكتروني. وفي حال سكوت الأطراف تطبق الهيئة القواعد التي تعدها هي للإجراءات مثل التبليغات ومواعيد الجلسات وتبادل اللوائح.

ومن حق الطرفين والهيئة الإحالة لقانون وطني معين يطبق على الإجراءات . ولكن في الحياة العملية، تراعي الهيئة ما أمكن قواعد الإجراءات في الدولة التي تم فيها التحكيم، وتستبعد القواعد التي لا تتفق وطبيعة التحكيم، مثل مواعيد عقد جلسات وكيفية إجراء التبليغات. وغالبا ما تضع الهيئة قواعد إجراءات خاصة بها بموافقة الأطراف اما على دفعة واحدة أو على عدة دفعات ويلتزم الأطراف بها.

ولكن قاعدة حرية الإجراءات مقيدة بقاعدة أساسية، وهي ان تدير الهيئة التحكيم بصورة عادلة، وان تساوي بين الأطراف، وبحياد تام دون تحيز لطرف دون الطرف الآخر. ويجب عليها ان تعطي كل طرف الفرصة الكافية لتقديم دعواه وبيناته ودفوعه ودفاعه.

 

 

3-  لغة التحكيم

يحق لأطراف النزاع الاتفاق على اللغة الواجب اتباعها في التحكيم ولهم الحرية الكاملة في ذلك. بل من حق الأطراف الاتفاق على لغة أو عدة لغات للتحكيم مثل العربية أو العربية والفرنسية أو العربية والفرنسية والإنجليزية. وإذا اتفقوا على لغة معينة، فانها تكون لغة التحكيم من بدايته حتى نهايته، بما في ذلك صدور قرار التحكيم النهائي بتلك اللغة إذا اعترض الطرف الآخر على تقديم المستند بغير لغة التحكيم(14).

وفي حال عدم الاتفاق على لغة التحكيم تحدد الهيئة هذه اللغة آخذة بالاعتبار لكافة الظروف المحيطة بما في ذلك لغة العقد موضوع النزاع. وإذا كان العقد بلغتين تختار الهيئة احدهما، بما في ذلك مراسلات الأطراف السابقة على نزاعهم. ومثل هذه الظروف ان ينص العقد على ان إحدى اللغتين تسود على الأخرى وجنسية الأطراف ولغتهم الأصلية، وممثليهم القانونين ولغتهم الأصلية، وما إلى ذلك من ظروف مختلفة. 

4-  قانون موضوع النزاع

تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع قانون الإرادة المتفق عليه صراحة أو ضمنا من أطراف النزاع. وفي حال عدم اتفاقهم على ذلك، تطبق الهيئة القواعد القانونية التي تراها ملائمة، وقد يكون هذا القانون هو قانون مكان إبرام العقد، أو تنفيذه، أو تنفيذ الجزء الأكبر منه، أو أي جزء آخر منه. بل قد تطبق الهيئة اكثر من قانون على النزاع الواحد حسب الظروف. ومثال ذلك ان تبرم شركة فنادق عالمية (أ) مع شركة أخرى (ب) عقدا واحدا لادارة ثلاثة فنادق في عمان ودمشق وبغداد. فيحصل نزاع يتعلق بمن يتحمل مثلا رسوم الطوابع على هذه العقود. في هذه الحالة تطبق الهيئة القانون السوري والعراقي والأردني كلا فيما يخصه. ومثال آخر اتفاق شركة المقاولات (أ) على إنشاء بنائين لـ (ب) احدهما في دمشق والآخر في عمان، ويحصل خلاف بينهما على الجهة التي يتوجب عليها الحصول على ترخيص البناء أو نفقات هذا الترخيص فتطبق الهيئة القانونين السوري والأردني كلا فيما يخصه.

وفي تطبيقها لقانون أو اكثر تجتهد الهيئة في إطار هذا القانون، ولا معقب عليها في ذلك ما دام اجتهادها معقولا ومبررا. بمعنى لو فرضنا تطبيق القانون المصري، فان الهيئة قد تكيف النزاع بأنه مدني وتطبق القانون المدني وليس التجاري أو العكس. ولكن المهم ان تطبق الهيئة ذلك القانون وليس غيره. وليس لها استبعاد القانون الواجب التطبيق لأي سبب مثل تعقيد القانون أو تخلفه أو بحجة ان المحكمين المعينين من الأطراف لا يعرفون هذا القانون. وبعض الدول تنص على بطلان حكم التحكيم النهائي في حال عدم تطبيق الهيئة للقانون الواجب التطبيق(15).

 

وفي جميع الأحوال، يجب على الهيئة ان تأخذ بالاعتبار في تطبيقها للقانون وفي فهمه وتأويله أحكام العقد، والعادات التجارية المعنية. فمثلا اذا كان العقد عقد بيع، فيجب على الهيئة تطبيق القانون المعني ولكن جنبا إلى جنب مع تطبيق احكام العقد والعادات التجارية في مفهوم البيع وأحكامه، وما جرى عليه العمل سابقا بين أطراف النزاع. بل في حال اختلاف العقد أو العادات التجارية، أو حتى التعامل السابق للأطراف عن القانون الواجب التطبيق، وكانت هذه القاعدة مما يجوز مخالفتها، فيجب تطبيق العادات وإعطائها الأولوية على القانون(16).

 

5 -  مرجعية هيئة التحكيم

بعد احالة ملف التحكيم لهيئة التحكيم يتوجب على الهيئة إعداد وثيقة يمكن تسميتها بـ"مرجعية هيئة" التحكيم Terms of Reference (المادة 18). وهذه الوثيقة لا يمكن إعدادها إلا بعد ان تكون الهيئة قد درست ملف التحكيم بمستنداته وبيناته الأولية، وحصلت على فكرة أولية حول طبيعة النزاع وطلبات الخصوم وبيناتهم. عندئذ تقوم بتلخيص القضية بما فيها من وقائع متفق أو متنازع عليها. وحسب قواعد الغرفة، يجب ان تتضمن هذه الوظيفة البيانات التالية:

1-       أسماء وصفات الخصوم، مثل كونهم تجارا أو شركات وجنسياتهم إذا لزم الأمر.

2-       عناوين الخصوم والأرقام الخاصة للاتصال بهم، مثل أرقام الهاتف والفاكس والبريد الإلكتروني.

3-       مخلص لادعاءات وطلبات الخصوم مع بيان المبالغ المطالب بها في الدعوى الأصلية والدعوى المتقابلة ما دام ذلك ممكنا.

4-       المسائل التي ستتولى هيئة التحكيم الفصل بها، إلا إذا وجدت هيئة التحكيم ان ذلك غير مناسب في هذه المرحلة، وكان يصعب عليها تحديد هذه المسائل. ولكن جرت العادة ان تحدد الهيئة هذه المسائل وتضيف لها مبدأ عاما مفاده اعطاء القرار في أي مسألة أخرى ترى الهيئة ضرورة الفصل بها.

5-       أسماء وصفات وعناوين المحكمين ومكان التحكيم.

6-       المسائل الخاصة بالقواعد الإجرائية التي ستطبق على النزاع، وإذا كان التحكيم بالصلح amiable comisiteur يجب ان تبين الهيئة بانها أعطيت مثل هذه الصلاحية.

والمسائل المشار اليها ليست حصرية، وانما لهيئة التحكيم ان تورد غيرها، مثل ملخص وقائع النزاع، والقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، ولغة التحكيم. ومثال ذلك ايضا إيراد شرط التحكيم الذي بموجبه أحيل النزاع للتحكيم، وتفصيل ادعاءات الفريقين السابقة على طلباتهما.

وبعد إعداد هذه الوثيقة، يجب توقيعها من الأطراف أولا ثم من هيئة التحكيم. وبعد ذلك، يجب إرسالها خلال شهرين من إحالة ملف التحكيم للهيئة إلى محكمة الغرفة. ويجوز للمحكمة تمديد هذه المدة إذا رأت المحكمة مبررا لذلك، سواء بمبادرة منها أو بناء على طلب هيئة التحكيم.

وقد يرفض أحد الأطراف التوقيع على الوثيقة أو المشاركة فيها لأي سبب، أو يصر على رأي معين ترفضه هيئة التحكيم. ومثال ذلك ان يصر ذلك الطرف على ان يرد في الوثيقة تحديد القانون الواجب التطبيق، ويرفض بالتالي التوقيع عليها، وفي حين ترى الهيئة انه من السابق لاوانه تحديد هذا القانون. في هذه الحالة، ترسل الهيئة الوثيقة لمحكمة التحكيم للمصادقة. وعندئذ يستمر التحكيم منذ تاريخ المصادقة أو توقيع الأطراف حسب الأحوال.

ويترتب على توقيع أو مصادقة وثيقة "مرجعية هيئة التحكيم" العديد من الآثار منها ما يلي:

1-      يجب صدور قرار التحكيم خلال (6) اشهر من:

 أ:    تاريخ آخر توقيع على الوثيقة من قبل أطراف النزاع وهيئة التحكيم. وجرت العادة على انه عند اتفاق أعضاء الهيئة على مضمون الوثيقة، يتم إرسالها للأطراف لتوقيعها ثم يوقعها عضوا الهيئة ويوقع أخيرا رئيس هيئة التحكيم.

ب:   أو من تاريخ امانة المحكمة لهيئة التحكيم بان المحكمة صادقت على الوثيقة وفق ما هو مبين سابقا.

2-      كقاعدة عامة، فانه لا يجوز للأطراف إضافة طلبات جديدة لطلباتهم الواردة في الوثيقة ما لم تسمح لهم الهيئة بذلك.

3-       إلزامية الوثيقة للأطراف ولهيئة التحكيم.

 

 

 

6-  الإجراءات الوقتية والتحفظية

يجوز لهيئة التحكيم إصدار قرارات وقتية أو تحفظية أثناء الإجراءات ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك. وهذه القرارات قد تأخذ شكل أمر صادر عن الهيئة أو قرار على شكل حكم تحكيم (المادة 23). وفي الحالة الأولى، يجب عليها تسبيب الامر الصادر عنها. ولم تنص قواعد الغرفة على تسبيب الحكم في الحالة الثانية. السبب في ذلك ان كل حكم صادر عن الهيئة يجب ان يكون مسببا كما سنرى عند بحث حكم التحكيم. وقد تطلب الهيئة من احدهما تقديم ضمان بناء على طلب الطرف الآخر مقابل إصدار الأمر أو الحكم. والأمثلة على هذه الإجراءات كثيرة مثل الأمر ببيع بضاعة قابلة للتلف، أو الطلب من أحد الأطراف تقديم ضمان مصرفي لمسالة معينة. ومثال ذلك  أيضا في عقود المقاولات الأمر بهدم جزء من البناء لانه يشكل خطرا على السلامة العامة، أو اعتداءا على ملك الجار. ومثاله أيضا ان يكون النزاع حول مستحقات المقاول من صاحب العمل، فتأمر الهيئة الأخير بدفع سلفة للمقاول وتأمر المقاول بالاستمرار بالعمل، وفي الوقت ذاته تأمر أحدهما بتقديم ضمان إلى حين نتيجة الحكم.

واهم الإجراءات التحفظية في الحياة العملية إيقاع الحجز التحفظي على أموال أحد الطرفين. ويصطدم هذا الإجراء بواقع عملي، هو صعوبة إتمام الإجراء دون مساعدة السلطات المختصة. لذلك، يندر ان توقع الهيئة مثل هذا الإجراء. ولهذا السبب، نصت قواعد الغرفة على انه يجوز لاحد الأطراف اللجوء إلى السلطات القضائية المختصة لاتخاذ أي إجراء تحفظي او وقتي، سواء قبل إحالة الملف لهيئة التحكيم او بعد ذلك، وان مثل هذا الإجراء لا يعتبر تنازلا عن الاتفاق للجوء إلى التحكيم. وسبب هذه القاعدة، انه في كثير من تشريعات الدول يعتبر اللجوء للقضاء في دعوى موضوعية بمثابة تنازل عن شرط التحكيم. ولذلك، فقد يفسر تقديم طلب لاجراء الحجز التحفظي بمثابة تنازل عن شرط التحكيم، فجاءت قواعد الغرفة ونصت على غير ذلك، أي على ان تقديم مثل هذا الطلب لا يجوز تفسيره على انه كذلك.

والشيء ذاته يقال بالنسبة لصدور قرار من الهيئة باتخاذ إجراء وقتي ما.  في هذه الحالة قد يلجأ أحد الأطراف لتنفيذ هذا الإجراء للسلطات القضائية. في هذه الحالة، فان ذلك لا يعتبر تنازلا عن اتفاق التحكيم. كما ان اللجوء للقضاء لإجراء وقتي ما يجب ان لا يفسر على انه يسلب صلاحيات الهيئة من مثل هذا الإجراء في المستقبل التي تبقى لها هذه الصلاحيات.

 

7-  حكم التحكيم

عالجت قواعد الغرفة الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم في عدة مواضيع نشير إليها فيما يلي (المواد 24 – 29):

أ:  إصدار الحكم

يجب على هيئة التحكيم إصدار قرارها النهائي خلال ستة اشهر، وهذه المدة تبدأ كما يلي:

1-       إذا تم التوقيع على وثيقة المرجعية من قبل أعضاء هيئة التحكيم والأطراف وفق ما هو مبين سابقا، فمن تاريخ آخر توقيع تم على تلك الوثيقة، سواء كان آخر الموقعين هو أحد أعضاء الهيئة أو أحد أطراف النزاع.

2-       إذا رفض أحد أطراف النزاع أو كلاهما التوقيع، فقد ذكرنا ان إجراءات التحكيم تستمر بالرغم من عدم التوقيع. ولكن في هذه الحالة، ترسل هيئة التحكيم وثيقة المرجعية لمحكمة الغرفة للمصادقة عليها. وفي حال المصادقة، ترسل امانة المحكمة الوثيقة للهيئة مصادقا عليها من المحكمة. وفي هذه الحالة، تبدأ مدة الستة اشهر اعتبارا من تاريخ إشعار هيئة التحكيم بمصادقة المحكمة على الوثيقة.

هذه المدة يجوز تمديدها من قبل المحكمة اما من تلقاء نفسها أو بناء على طلب سبب من الهيئة. ولا توجد مدة لهذا التمديد، الذي قد يكون لمدة مماثلة (6 اشهر) أو اكثر أو اقل من ذلك، كما يمكن التمديد لاكثر من مرة.

ويجب ان يصدر الحكم إما بالإجماع أو بأغلبية اعضاء هيئة التحكيم، بمن فيهم رئيس الهيئة. وفي حال عدم توفر الاغلبية يصدر الحكم من رئيس هيئة التحكيم منفردا، وهذه هي الحالة التي تسمى تشتت الآراء. وهي تفترض ان هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين (مثلا) ويكون لكل محكم رأي مستقل عن الآخرين. مثلا يرى المحكم الأول ان (أ) يستحق (1000) دولار من (ب)، ويرى المحكم الثاني انه لا يستحق شيئا، في حين يرى رئيس الهيئة انه يستحق ألفى        (2000) دولار . في هذه الحالة، يكون رأي رئيس الهيئة الحكم النهائي.

ويجب ان يكون الحكم معللا ومبينا الأسباب التي بني عليها، ويجب ذكر مكان صدور الحكم وتاريخه. وفي حال عدم ذكرهما، يعتبر الحكم قد صدر في مكان التحكيم، بل يعتبر الحكم قد صدر في مكان التحكيم حتى لو صدر فعليا في الخارج، كما يعتبر التاريخ الموجود على الحكم هو تاريخه.

 

ب:  الحكم بالاتفاق

وقد يتفق الأطراف على تسوية ودية لنزاعهم أثناء إجراءات التحكيم، ويفضلون صدور هذه التسوية بحكم تحكيمي لحفظ حقوقهم في المستقبل. في هذه الحالة، يجوز لهيئة التحكيم إصدار قرار تحكيمي بالتسوية بناء على طلب الأطراف. أي صدور قرار كهذا بحاجة إلى طلب من الأطراف وموافقة الهيئة التي لها صلاحية الموافقة أو عدم الموافقة. وقد يسأل سائل عن سبب عدم موافقة الهيئة على ذلك ما دام الأطراف وافقوا عليه. ويمكن الاجابة على ذلك بالقول بان الهيئة قد ترى في الاتفاق ما هو مخالف للنظام العام الدولي، كان يكون جزء من التسوية تسليم كمية من الحشيش، أو ان الاتفاق شمل مسائل لا علاقة لها بالتحكيم ويتضمن تجاوزا من الهيئة لصلاحياتها المحددة في اتفاق التحكيم.

 

ج:  مسودة القرار

تتضمن قواعد الغرفة حكما مفاده ان حكم التحكيم يبقى مسودة إلى حين مصادقة الغرفة عليه، وانه في حال عدم المصادقة لا يعتبر حكما ولا يجوز بالتالي إصداره. وعلى ذلك، يجب على هيئة التحكيم إرسال الحكم كمسودة للمحكمة التي تقوم بمراجعته وتعديله من حيث الشكل، او من حيث لفت انتباه الهيئة لمثل هذا التعديل التي يتوجب عليها الالتزام به. ومثال ذلك ان يشير الحكم إلى عملة الدولار دون بيان ما إذا كان دولار أمريكي أو كندي أو غير ذلك، أو تكون هناك أخطاء لغوية أو مطبعية فتقوم المحكمة بتصحيحها مباشرة. ويطبق المبدأ السابق على حكم التحكيم النهائي، وعلى أي حكم جزئي تصدره في هذا الشأن.

أما بالنسبة للموضوع، فلا تتدخل المحكمة به وانما لها ان تلفت انتباه الهيئة إلى مسألة موضوعية، ويترك الأمر للهيئة ان تأخذ بهذه المسألة أم لا. ومثال ذلك، ان تقضي الهيئة بان القانون الواجب التطبيق على النزاع يقضي بدفع فائدة بحد أقصى 10% سنويا على مبلغ من المال مستحق الأداء، وترى المحكمة غير ذلك مثل ان هذا القانون لا يعطي فائدة، أو انه لا حد للفائدة في حال قضي بها. فتقوم المحكمة وتلفت نظر الهيئة لذلك. في هذه الحالة، لهيئة التحكيم ان تقبل هذا الرأي أو ترفضه أو حتى لا تلتفت إليه.

 

د:  نهائية الحكم 

وبعد إرسال المسودة وإقرارها من جانب المحكمة، يتعين على هيئة التحكيم توقيع الحكم بصيغته النهائية سواء صدر بالإجماع أو بالأغلبية. وكما ذكرنا، فانه في حال عدم توفر الأغلبية بصدر الحكم من رئيس الهيئة منفردا. ويعتبر حكم التحكيم نهائيا وغير قابل لأي طريق من طرق الطعن وهو ملزم للأطراف ويتوجب عليهم تنفيذه وديا بدون تأخير. وبإحالتهم لقواعد الغرفة، يعتبر الأطراف قد تنازلوا عن حقهم بالطعن في الحكم لدى أي جهة، وفي أي دولة ما دام مثل هذا التنازل صحيحا وخاصة في بلد التنفيذ. ولكن هذه القاعدة نظرية اكثر منها عملية. إذ يدل الواقع ان كثيرا من أحكام التحكيم، يتم الطعن بها قضائيا اما مباشرة في البلد الذي صدر فيه الحكم، أو عند طلب تنفيذه في بلد معين وفقا للقواعد القانونية السارية في ذلك البلد، وبشكل خاص عندما يتعلق الطعن بالنظام العام، وان أي تنازل عن مثل هذا الطعن لا يعتد به. لذلك، نصت قواعد الغرفة على ان مثل هذا التنازل يعتد به فقط اذا كان ذلك ممكنا(17).

 

هـ:  تصحيح وتفسير حكم التحكيم

تثير مسألة تصحيح وتفسير حكم التحكيم إشكاليات عمليه هامة. فالحكم قد يتضمن أخطاء مادية مثل الأخطاء المحاسبية والمطبعية أو كتابية. هذا النوع من الأخطاء يتم تصحيحه من قبل هيئة التحكيم، إما من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد أطراف النزاع. وفي الحالة الأولى يجب ان يتم التصحيح خلال (30) يوما من توقيع الهيئة على الحكم، ويجب إرساله للمحكمة خلال هذه المدة للمصادقة عليه. ويفهم من ذلك ان أي تصحيح للحكم لا تصادق عليه المحكمة لا يعتد به.

أما الحالة الثانية فتتعلق بطلب الأطراف تصحيح او تفسير الحكم الذي قد ينتابه بعض الغموض. ومثال ذلك ان يصدر الحكم بالجنيه أو الدولار ودون بيان ما إذا كان الجنيه إسترليني أو قبرصي، أو كان الدولار أمريكي أو كندي، أو يشير الحكم إلى فائدة 9% سنويا دون بيان ما إذا كانت مركبه أو بسيطة. ويلاحظ هنا انه ليس لهيئة التحكيم تفسير الحكم من تلقاء نفسها، بل لا بد ان يطلب ذلك أحد الأطراف وهذا بخلاف تصحيح الأخطاء المادية كما ذكرنا ويلاحظ أيضا ان تصحيح الحكم يتعلق فقط بالأخطاء المادية مثل المطبعية والمحاسبية والكتابية دون غيرها، فلا يجوز تصحيح ما يمكن تسميته بالأخطاء الموضوعية. ومثال ذلك ان تطبق الهيئة القانون الفرنسي باعتبار انه القانون الواجب التطبيق، ثم يتبين لها ان هذا القانون هو القانون الهولندي حسب إرادة الأطراف وليس الفرنسي، أو تقضي بفائدة في حين القانون المطبق لا يجيز الفائدة على الحالة المعروضة. في هذه الأمثلة وغيرها ليس لهيئة التحكيم تصحيح أخطائها الموضوعية لا من تلقاء نفسها ولا بناء على طلب الأطراف. وهناك حالة هامة أغفلتها قواعد الغرفة، وهي ان تغفل الهيئة أحد مطالب الأطراف الأساسية إغفالا نهائيا، وكان منطق العدالة يقضي بان هذه الحالة أيضا تدخل في اطار التصحيح أو التفسير وتضاف لاحكام الغرفة بان يعاد الحكم للهيئة لتقضي بها.

ويطبق على قرار التصحيح أو التفسير ما يطبق على الحكم من حيث انه يعتبر مسودة إلى حين مصادقة الغرفة عليه مع صلاحية الغرفة بتصحيح الأخطاء الشكلية ولفت الانتباه لأي أمر موضوعي آخر في الحكم. ومتى صادقت عليه الغرفة يعتبر جزءا من الحكم الأصلي يضاف له وتطبق عليه المبادئ التالية:

1-        يجب ان يصدر التصحيح أو التفسير بالأغلبية أو من رئيس الهيئة إذا لم تتوفر الأغلبية.

2-        يبقى التصحيح والتفسير مسودة إلى حين مصادقة الغرفة عليه.

3-        تطبق على الحكم الذي تم تصحيحه او تفسيره أحكام المادة (28) من حيث إشعاره وتنفيذه وما إلى ذلك.



(1)       الفيديك (FIDIC) هي الأحرف الأولى من كلمات Federation International Des Engenieurs -   Conseils) (أي الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين).

(General) Conditions of Contract For Works of Civil Engineering Construction

(2)  

(3)       وعلى ذلك، فان الإشارة في ورقة العمل هذه لشروط الفيدك تعني الشروط العامة لطبعة 1987.

(4)       ومثال ذلك ان يكون من ضمن عمل المقاول تمديدات مواسير مياه لمنطقة معينة، فيطلب المقاول زيادة هذه التمديدات بحيث تتجاوز المنطقة المتفق عليها إلى منطقة أخرى.

(5)       تمييز حقوق / الأردن، رقم 583/83، مجلة نقابة المحامين، سنة 1984، ص 1100.

(6)       وهذا الحكم جاء تطبيقا للمادة 100 من القانون المدني الأردني، وهي تقابل المادة 96 من القانون المدني السوري التي تقضي المادة 96 بما يلي: " إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترطا ان العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها اعتبر العقد قد تم وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها فان المحكمة تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة ولاحكام القانون والعرف والعدالة ".

(7)       والدفع بعدم التنفيذ من المبادئ التي تقوم عليها نظرية العقد في قوانين دول عربية ومن ضمنها سوريا والأردن. وفي هذا الشأن تقضي المادة (162) من القانون المدني السوري بأنه "في العقود الملزمة لجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء جاز لكل من المتعاقدين ان يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به"، وهي تقابل المادة (203) من القانون المدني الأردني.

(8)       وعبارة "قبل اليوم السبعين before the seventieth day" الواردة في النص قد تثير إشكالا في التفسير، فيما إذا كانت تعني قبل بدئ اليوم السبعين ام قبل انقضائه. ونرى انها تعني قبل بدئ هذا اليوم بحيث يكون اليوم السبعون غير مشمول بالمدة، وذلك تطبيقا للمبادئ العامة في التفسير من حيث ان الشك يفسر لصالح المدين             (المادة 240 /مدني أردني؛ والمادة 152 / مدني سوري)، وهو هنا الشخص غير صاحب المطالبة سواء كان المقاول أو صاحب العمل.

                    The parties shall attempt to settle such dispute amicable before the commencement of arbitration

   (9)  

(10)     وعلي سبيل المثال ذهب المحكمة العليا الإيطالية بقولها ان النص على وجوب محاولة تسوية النزاع وديا قبل اللجوء للتحكيم هو مجرد إعلان رغبة الأطراف تنفيذ العقد بينهما بحسن نية، ولا يعني ذلك الحيلولة دون اللجوء للتحكيم لتسوية النزاع بدون محاولة التسوية الودية.

Supreme Court, Italy, 2 Nov. 1987, ICCA YB, 1989, p. 677-679. 

(11)

 

The United Nations Commission on International Trade Law (UNICITRAL         

(12)      وهذه المدة قابلة للتمديد وفق شروط معينة (المادة 5/2).

(14)     المادة 6/2 “… if it is prima facie satisfied that an arbitration agreement under the Rules may exist” .

    ونعتقد انه من المبادئ العامة انه لا يجوز لغرفة التجارة تعيين محكم لا يجيد لغة التحكيم وانما يعتمد ترجمة لتلك اللغة. إذ كيف يستطيع المحكم إدارة جلسات التحكيم وهو غير ملم بلغة التحكيم.

(15)     مثل قانون التحكيم المصري رقم 27/1994 (المادة 53/1/د)؛ والقانون الاردني رقم 31/2001 (المادة 49/أ/4).

(16)      ويقصد بالقانون ليس مجرد النصوص التشريعية وانما الفهم العام لهذا القانون على ما ورد عليه من مشروحات وأحكام قضائية واجتهادات فقهية ويطبق القانون بمصادره المختلفة

(17)     ويقول النص  (الماادة 28/6):

عن الكاتب

Alghaly Yousif مهندس مدني محترف عمل في مختلف مجالات الهندسة المدنية من بناء مجمعات سكنية وطرق وغيرها إلي تشييد السدود و الخزانات

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

تجارب مهنية