تجارب مهنية

نهتم بمواضيع متعددة كالهندسة و العقارات و البيئة و مواضيع أخرى عامة , نأمل متابعتكم و مقترحاتكم لكي نستمر في التطور و التحسين على الدوام.

recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أترك تعليقك و رأيك الذي يضيف إلينا و نتعلم منه و نتطور

المعتقدات الشعبية في السودان

 

المعتقدات الشعبية

المعتقدات الشعبية في السودان

الناظر إلى أهل دار فور مثلا اليوم يعتقد أنه لم تسبق لهم عبادة الأوثان ولا حتى أنهم دانوا بالديانات السماوية الأخرى غير الإسلام. ذلك لأن الدين الإسلامي وثقافته الفكرية والعملية يشملون كل جوانب حياتهم. ذلك أيضاً خلافاً لما كان سائداً في الممالك النوبية في أقصى شمال السودان. هذا بالإضافة على عدم وجود مخلفات أثرية واضحة تدل على ذلك مثل المعابد والقلاع والمباني والمعبودات والكهنة والمدافن الملوكية كالأهرامات مثلاً. كما أن غالبية السكان يتمثلون النسب العربي نظرا لسيادة الثقافة العربية الإسلامية. وقد أشار بعض الباحثين إلى أن دار فور ظلت مجهولة من قبل الرحالة الأجانب حتى القرن السابع عشر الميلادي. إذ أن أول رحالة يطأ أرضها هو براون عام 1679م1. عليه فقد ظلت دارفور مجهولة ويكتنفها كثير من الغموض طوال فترة ممالك الداجو والتنجر. حيث أنه لا أحد أستطاع أن يقول بوضوح كيف ظهر كل منهم وكيف لجأوا ومتى ومن أين بل وكيف وصلوا إلى السلطة والطريقة التي انتقلت بها إلى كل منهم. رغم وجدت بعض المخلفات في أقصى الجزء الشمالي الغربي في وادي هور يعتقد أنها تتصل بالممالك النوبية و المسيحية المروية2.
لكن بالرغم من ذلك توجد هناك بعض الممارسات الشعبية التي تمارس حاليا وتنسب إلى الدين الإسلامي تتعلق بصورة أو بأخرى بالمفاهيم الدينية الوثنية والمسيحية القدسية. منها المعتقدات الشعبية لدى عامة الناس حول بعض الظواهر الطبيعية التي لا يدركون أسباب حدوثها. هذا بالإضافة إلى بعض الممارسات الطقوسية التي قد تتعارض في بعض جوانبها مع قيمة وفكرة الدين الإسلامي وإن جاء ذكر بعض منها في القرآن الكريم. منها مثلاً:  

1/ قوس قزح:

ويسمونه حاجز المطر. ذلك لأنه غالباً ما يظهر في فصل الخريف وبعد أو قبل نزول الأمطار. ويعتقد الناس أن ظهوره يوقف المطر من النزول وأنه يخرج من بيت النمل. ويعتقدون كذلك أن بيوت النمل تكون مرتفعة على سطح الأرض وملساء لأن جيوش النمل تحفر الأرض وتقذف بها إلى أعلى وتترك أنفاقها التي تؤدي إلى المكان الذي تخزن فيه ما تجلبه من حبوب على مدار السنة. فعندما تبتل بماء المطر تكون تربتها هشة ويغوص فيها الإنسان إذا وطأ عليها فتغطس أرجله لذلك يأتي اعتقاد الناس في شكل تحذير لهم حتى يتفادون مخاطرها ولا يسيروا فوقها. ويطالبون من يمر بجوارها أن يستعيذ من الشيطان الرجيم ويقرأ الفاتحة ويبصق عليها حتى يحمى نفسه من الإصابة بالجنون. كما يحذرون من دلق الماء الحار عليها لكي لا يحرقوا أطفال الجنون فتغضب وتنتقم منهم.

2/ الأماكن المسكونة:

يعتقد أهل دارفور أن بعض الأشجار الكبيرة وخاصة أشجار العرديب واللألوب الوارفة تتخذها الجنون مساكنا لها. لذلك يمنعون الأطفال من الذهاب إليها أو الطلوع فيها أو قذفها بالحجارة والعيدان لالتقاط ثمارها الحلوة. ذلك حتى لا تصيبهم الجنون أو تضرهم أو يضرونها. ويحكى أن الناس يسمعون زغاريد وأصوات وضحكات تنبعث من تلك الأشجار في جنح الليل. ويقول بعضهم أنه يرى نوراً يخرج منها. ويعزى كله للشياطين والجنون التي ورد ذكرها في القرآن الكريم باعتبارها من مخلوقات الله عز وجل. ويعتقد الناس أيضاً أن بعض الجنون مسلمة وبعضها كافر. وهناك من يقول إنه وجد ماءاً أو لبناً أو قدحاً مملوء بالطعام موضوعاً تحت الشجرة. وغيرها من القصص والحكاوي.

وهناك بعض الحيوانات البرية التي يأكلها الناس ويصطادونها ويعقدون أنها ملك للجنون ويعتقدون أنها مال الجنون. كأبي شوك والزراف والبقا مثلاً. ويحكى بعض الصيادين أن الجنون قد منعتهم من صيدها ومنهم من يقول إنه رأى الجان بعينه ومنهم من يقول إنه سمع أصواتاً تشحذ بألا يصطادها الصيادون. ويقال إن بعضهم أصيبوا بأمراض عقلية نتيجة ذلك وخضعوا للعلاج منها. ويقول الناس أيضا أن بعض الثعابين الكبيرة (الأفاعي) ما هي إلا جنون فيتفادون اعتراضها أو قتلها أو ضربها. وهناك ثعبان رقيق الحجم، أبيض اللون وطويل يسمونه أبى زريق دلالة على سرعة حركته، ويسكن في البيوت، ولا يلدغ يعتقدون أنه يجيء ليحتمي بالناس وهو عبارة عن جان لذلك يرفضون طرده من البيت أو قتله. ومثله نوع من الطيور تبنى أعشاشها داخل المنازل أيضاً. وجميعها يسمونها حسب البيت أي محتمية به. وهم يتفاءلون بها وبوجودها. مثلها أيضاً النحل والقطط والسحالي والنمل الأبيض والضفادع. إذ يعتقدون أن جميعها كائنات خيرة ومسخرة من عند الله للاحتماء بهم وخدمتهم ودفع الشر عنهم.                

النحاس والطبل

تشكل دارفور بحكم موقعها بعداً أفريقياً هاماً في السودان. وتقطنها العديد من القبائل والشعوب التي هاجرت واستوطنت وتمازجت فيها من أقدم العصور. وهي تنتمي إلى أصول عرقية متعددة. فبجانب اللغة العربية السائدة لديهم أنهم يتحدثون لغات أخرى قد اختلط غالبيتها بالعربية وتولدت منها لهجات عدة. كما أنهم يمارسون حرف كثيرة ونشاطات إنتاجية متنوعة. هذا مع ملاحظة أنهم جميعهم يدينون بالديانة الإسلامية. والتي امتزجت في كثير من جوانبها بالموروثات المحلية التي إحتوتها وصارت تمارس في إطارها وكجزء منها. وقد جلبت كل إثنية وقبيلة معها تراثها وثقافتها الخاصة وأصبحت تمارسها أيضا ضمن الثقافات الأخرى. وتبرز هنا بصورة جلية عملية التأثر والتأثير والأخذ والعطاء بل التحول من قطاع إنتاجي إلى أخر وفقاً لمعطيات البيئة المحلية وما تزخر به من مكونات طبيعية شتى تشحذ همة الإنسان وتدفعه نحو العمل والاستفادة منها في نيل حاجياته. 

 هذا الواقع المتعدد الجوانب ساهم في وجود العديد من الإيقاعات كالنحاس والطبول والآلات التي يعتمد عليها الإنسان في حل بعض القضايا وأداء بعض الطقوس. وكذلك بعض الآلات الموسيقية التي يستخدمها الناس في حياتهم. وهي نوع من أنواع الإعلام الشعبي.  مع ملاحظة أن كل إيقاع له قيمته الخاصة ووظيفته التي يؤدي من أجلها ومن تلك الآلات الموسيقية.

1. النحاس:

هو عبارة عن طبل أو مجموعة طبول مختلفة الأحجام وبالتالي الأصوات تصنع من النحاس في قالب نصف كروي مفلطح ويتم كساؤه وتغطيته (تجليده) بالجلد النيء. أي غير المدبوغ. ويقرع بأعواد معينة أو قطع السيور الغليظة. ويتبع الإيقاع لحن بعض العبارات ذات المعاني المحددة.

وأكبر نحاس في دار فور هو نحاس السلطان على دينار الذي خلفه بعد استشهاده عام 1916م في معركته الشهيرة على يد المستعمر الانجليزي. ويوجد هذا النحاس حاليا أمام الحامية الغربية في مدينة الفاشر تحت مظلة مشدود تحتها ويقوم بحراسته عدد من الجنود. ويقرع هذا النحاس في رأس كل ساعة وفي الأعياد الرسمية والمناسبات القومية. وعند السحور وفطور شهر رمضان المعظم. ويقول الباحثون أن معظم المارشات والموسيقى العسكرية السودانية المسماة الدينارية مأخوذة من إيقاعات وأناشيد هذا النحاس. وتنقسم دارفور لعدة إدارات أهلية ترأسها القبائل الكبرى. وقد منح السلاطين كل قبيلة قطعة من الأرض لها حدودها المعروفة. لكي تنتفع بخيراتها وتقيم عليها إداراتها وتسمى الحاكورة. والتي يطلق عليها الدار. والتي تعرف باسم القبيلة التي تمتلكها. ومن عادة المستعمر الانجليزي منح كل إدارة أهلية نحاسا خاصا بها دلالة على اعترافه بها وبإدارتها. وقد كان الغرض الحقيقي من وراء ذلك هو كسبها لجانبه وحتى يفرض أوامره عليها ويتفادى شرورها وتمردها عليه. ويكون مثل هذا النحاس باسم ناظر القبيلة أو زعيمها العشائري الذي يسلم له بخطاب رسمي من قبل المفتش الانجليزي والذي يمنحه ملكيته ومن ثم شرائه من أم درمان أو الأبيض آنذاك. ولا يقرع هذا النحاس إلا في اللحظات الهامة التي يود فيها الزعيم العشائري جمع أكبر عدد من أفراد القبيلة. خاصة في حالة الحرب وإعلان بعض النظم والتحركات الداخلية. ويستخدم النحاس بدلاً عن النقارة أو الطرق على الصفيحة أو الطشت المملوء بالماء والذي تقلب عليه بعض قطع القرع بوضعها على أفواهها وضربها من الخلف1.

2. النقارة:

يوجد في دارفور عدد من النقارات لكل منها حجمها وشكلها وإيقاعها المميز وطريقة إستخدامها. والنقارة يمكن أن يمتلكها أي شخص ويوظفها بالطريقة التي يريدها. وهي تستخدم لأغراض مختلفة منها الفرح والنفير والفزع وجمع المال وإعلان الحرب أو الترحال ومواجهة الكسوف والخسوف والصيد وغيرها.

ففي حالة الرقص مثلاً تستخدم النقارة وتكون لكل مجموعة نقارتها الخاصة المعروفة لدى الآخرين. وهي تصنع من الخشب وتكسى وتجلد بالجلد غير المدبوغ ويطرق عليها بعصي خاصة. وهناك أشخاص بعينهم متخصصون في ضرب النقارة يستعان بهم عند ذلك ويسمون الضرابون2.

3. البـوغ:

وهو القرن الذي يصنع من قرون البهائم ويتم نفخه عند الحاجة كالصيد مثلاً، وكثيراً ما يكون القرن مصاحباً لطبول الرقص لدى بعض القبائل. ويستخدم بعض من الناس قطع البخس (اليقطين) عن طريق مسكها من رقبتها وتحريكها وضربها على الأكف فتصدر صوتا أشبه بالكشكوش يكون مصاحبا للبوق.

د. سليمان يحي



1  H.G. Balfour Paul. History and Antiquities of Dar Fur. Khartoum: Sudan Antiquities Service. Pamphlet. No.3, 1955, P.2.ِ

2 مبارك بابكر الريح، (تقديم) تاريخ المسيحية فى الممالك النوبية القديمة فى السودان الحديث.الخرطوم: بدون ناشر،1978،ص33.

1 عبد القادر سالم عبد القادر. الغناء والموسيقي بإقليم كردفان. شركة مطابع السودان للعملة المحدودة/2006، الصفحات 87-92.

2 نفسه، 102-104


عن الكاتب

Alghaly Yousif مهندس مدني محترف عمل في مختلف مجالات الهندسة المدنية من بناء مجمعات سكنية وطرق وغيرها إلي تشييد السدود و الخزانات

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

تجارب مهنية